دخل لبنان المرحلة الأخيرة من الانتخابات النيابية بعد اقتراع المغتربين وموظفي القطاع العام في محطة سياسية بغاية الأهمية في ظل الصراع المحتدم بين القوى والأحزاب السياسية وقوى التغيير التي تخوض أشرس المعارك، على اي لبنان يريدونه بعد الانتخابات وسط الشعارات التي رفععها معظم المرشحين والتي لا تمت إلى الواقع الاقتصادي والمالي بصلة.
وبانتظار الساعات الفاصلة عن إعلان نتائج الاستحقاق الانتخابي التي يعتريها الغموض للمرة الأولى، فإن المرجح وفق تقديرات مراكز الاحصاءات أن يحافظ حزب الله وحلفاؤه على الأكثرية في المجلس النيابي مهما تراجعت كتلة التيار الوطني الحر . وهذا ما سلم به المجتمع الدولي الذي لا يرى اي تغيير دراماتيكي في مشهد الاكثرية والاقلية في البرلمان، مع الاشارة إلى ان المساعد السابق لوزير الخارجية الاميركية اثناء ادارة ترامب ديفيد شينكر قال في ندوة عبر تقنية zoom “أنا شخصياً لست متفائلاً بهذه الانتخابات ولا أعتقد بأنّ على الإدارة الأميركية أن تراهن عليها. هناك نظام معطّل في لبنان، والانتخابات بمثل قوانين انتخابية كهذه لن تصلحه بشكل واضح”، منتقدا في الوقت عينه المعارضة واصفا بعض قياداتها بالنرجسيين والشخصانيين الذين هم مهتمون أكثر بأن يتزعّموا أحزابهم، على أن يتوحّدوا للإطاحة بالنخبة الفاسدة.
لكن ما بعد 16 ايار؟
وفق المتابعين، لا تبدلات فاقعة بعد 15 ايار. فالمرحلة الماضية اثبتت ان احدا لا يستطيع ان يحكم لوحده. فبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط العام 2005 فازت قوى 14آذار بانتخابات حزيران العام نفسه بأغلبية مقاعد البرلمان، وكانت لها الأكثرية في الحكومة كما حصلت على الأغلبية في انتخابات 2009، واستمرت حتى العام 2018 إلا أن مسار الحكومات المتعاقبة منذ العام 2009 إلى العام 2018، اختلف وفقا للظروف الخارجية والمتغيرات الاقليمية، فالرئيس سعد الحريري الذي شكل حكومة ما بعد انتخابات العام 2009 زار سوريا بناء على رغبة سعودية، لتشكل بعدها حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011 والذي استقال في العام 2013 اذار بسبب الخلافات داخل مجلس الوزراء على استحقاق الانتخابات النيايبة والتعيينات الأمنية وعدم الالتزام بسياسة النأي بالنفس تجاه صراعات الاقليم، لتشكل في العام 2014 حكومة برئاسة تمام سلام، وجمعت حزب الله وتيار المستقبل، ليشكل الحريري في العام 2016 حكومة التسوية بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وبعد انتخابات العام2018 شكل الحريري حكومته بعد تسعة اشهر من تكليفه ليستقيل بعد ثورة 17 تشرين وتتشكل حكومة اكثرية بعد ثلاثة اشهر من الانتفاضة برئاسة الرئيس حسان دياب الذي استقال بعد انفجار 4 اب 2020، ليكلف الرئيس الحريري مجددا بتأليف حكومة في تشرين الاول 2020 ويعتذر عن التأليف بعد 9 اشهر، ليعاد بعدها تكليف الرئيس نجيب ميقاتي الذي شكل حكومة في ايلول 2021 وكان الاستحقاق الانتخابي من ابرز انجازاتها.
الخلاصة مما تقدم، ان الصراعات السياسية هي التي كانت تطيح بالحكومات او تعرقل عملها وخططها الاقتصادية، لا بل اكثر من ذلك كانت تطيل امد التكليف جراء الخلافات على الحقائب الوزارية والاسماء. والاكيد ايضا ان قوى 14 اذار فشلت في الحكم عندما كانت تحكم قبضتها على الحكومات وان كانت ترد ذلك إلى الظروف التي حكمت فترة توليها لجهة الاغتيالات وعدوان تموز، بيد ان الوقائع تثبت ان خلافات مكوناتها والتي تظهرت إلى العلن في الاونة الاخيرة، بسبب الحسابات المتضاربة وعدم بلورتها لخطة او رؤية موحدة اوصلها إلى ما وصلت اليه اليوم من تفكك. الا ان الامور ليست افضل حالا عند فريق 8 اذار والتيار الوطني الحر، فهذه المكونات فشلت في تحقيق ما وعدت به على الصعيدين الاقتصادي والمالي فمناكفات حلفاء الحزب وحساباتهم اطاحت بحكومة الرئيس دياب التي عمقت الازمة من جراء سياسة الدعم التي اتبعتها لاخر نفس والتي لم يستفد منها سوى التجار والمتحكرين والمهربين ولم تخط خطوة تجاه تحقيق اي انجاز على مستوى وعودها بمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين وتحقيق الانماء واجراء الاصلاحات في القطاعات الاساسية(الكهرباء)
اليوم، البلد لم يعد بمقدوره تحمل ضياع الفرص وزرع العبوات امام التكليف والتأليف. فالازمات المتتالية والانهيار الكبير لا يحتملان اللعب على وتر تسمية وزير من هنا او وزير من هناك او تشكيل حكومة سياسية او حكومة اكثرية. وفيما تكشف التسريبات عن نية بعبدا تشكيل حكومة سياسية مع ارتفاع نسبة حصول فراغ رئاسي لأشهر بعد انتهاء ولاية الرئيس عون لتستمر في ادارة مرحلة ما بعد 31 تشرين الاول 2022، فإن طروحات كهذه، ربطا باشارة بعض المراقبين إلى ان الصراعات ستكون محتدمة حول الوزارات السيادية بين حركة امل والتيار الوطني الحر والقوى الاساسية، سوف تدفع البلد مجددا نحو الحفرة التي اوقعته فيها المنظومة السياسية ، فعدم الاستقرار الحكومي والسياسي سيفاقم الازمة المالية والمعيشية لا سيما وان سعر صرف الدولار بعد الانتخابات مرتبط بالانتخابات وبمسار تأليف الحكومة العتيدة.
بعد الانتخابات تتحوّل حكومة الرئيس ميقاتي إلى حكومة تصريف أعمال، بيد ان الظروف على المستويات كافة تستدعي وفق قراءة اكثر مصدر سياسي من توجهات مختلفة اعادة تكليف ميقاتي وتاليف حكومة بتوازنات الحكومة الحالية لاستكمال خطة الانقاذ واستكمال البحث مع صندوق النقد الدولي بشأن الملفات ذات الصلة ومنها ما يتعلق بحقوق المودعين، او اصدار مراسيم لإحياء حكومة معا للانقاذ 3 أشهر لإنجاز الملفات الملحة إلى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد ومن بعدها تشكيل حكومة جديدة.