أخيرًا، يمكن القول إنّ لبنان “تجاوز” قطوع الانتخابات النيابية بسلامة، بعد إنجاز كلّ مراحلها، بأقلّ الأضرار الممكنة، وهو ما يُسجَّل لحكومة تخطّت كلّ الصعوبات والعوائق، وأصرّت على احترام المواعيد الدستورية، رغم كلّ التحديات والصعوبات والعوائق، وإن لم تكن النتيجة “على خاطر” كثيرين، سواء لجهة نسب الاقتراع التي لم تكن “ممتازة”، أو الأجواء العامة المرافقة لليوم الانتخابي التي لم تكن “مثالية”.
منذ فتح صناديق الاقتراع صباح الأحد، بدأت “سبحة” المخالفات والشكاوى تكرّ من كلّ حدب وصوب، في ظل “استنفار” غير مسبوق لبعض الأحزاب والمندوبين، لترصد هيئات المراقبة المحلية والدولية إشكالات بالجملة في بعض المناطق، وصلت إلى حدّ التضييق على المراقبين أنفسهم وتهديدهم، بحسب ما أعلنت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، التي اضطرت لسحب بعض مراقبيها حماية لهم، كما قالت.
لكن، مع انتهاء النهار “الماراثوني” الطويل، تغيّرت الصورة، مع بدء الإعلان عن النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات، والتي دحضت إلى حدّ بعيد مقولة أنّها كانت محسومة سلفًا، إذ انطوت على مجموعة من “المفاجآت” التي يجدر التوقف عندها، والتي قد يكون على الأحزاب أن تقرأها بتمعّن في الأيام القليلة المقبلة، لمحاولة فهم “المزاج الشعبي” الذي أصبح واضحًا أنّه تغيّر، أو بالحدّ الأدنى عكس “نفورًا” من بعض القوى التقليدية.
شكاوى بالجملة
شكّلت الانتخابات العامة في كلّ لبنان “امتحانًا” للسلطة والأحزاب، فنجحت الأولى فيها بامتياز، بقدرتها على تنظيم استحقاق بالتي هي أحسن رغم كلّ الصعوبات والعوائق، وبعد أشهر طويلة من التشكيك، رغم بعض الشوائب التي اعترتها، ووثّقتها هيئات المراقبة، والتي قد تكون “عادية” في بلد كلبنان، وفي ظلّ الاستقطاب السياسي الذي يشهده، خصوصًا أنّ هذه الانتخابات هي الأولى منذ حراك العام 2019 وما تلاه من انهيار اقتصادي غير مسبوق.
في المقابل، يُعتقَد أنّ الأحزاب “سقطت” في هذا الامتحان، من حيث الشكل بالدرجة الأولى، بمعزل عن النتائج التي حققتها، إذ سادت “الفوضى” منذ الصباح، مع تسجيل سلسلة خروقات وُصِفت بـ”الفاضحة” ارتكبتها العديد من القوى السياسية من خلال مندوبيها، الذين حاولوا “التحكّم” بكلّ شيء في مراكز الاقتراع، خارقين الصمت الانتخابي كما سرية الاقتراع، مع تسجيل حالات فادحة من المرافقة خلف العازل وغير ذلك.
ولعلّ الأخطر تمثّل في الإشكالات الأمنية المتنقلة بين المناطق، إضافة إلى الاعتداءات التي تعرّض لها بعض المرشحين، في مناطق “متقاطعة” من حيث النفوذ الطائفي والسياسي، والتي جاءت استكمالاً لحملات “تخوين” تعرّض لها هؤلاء في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، علمًا أنّ ما بدا “نافرًا” أكثر من كلّ ما سبق، تمثّل في التضييق على مراقبي الانتخابات، الذين أشارت مرجعياتهم إلى تعرّضهم للمضايقات بالجملة، وحتى الطرد والإبعاد.
“مفاجآت” الليل الطويل
لكنّ الشكاوى التي هيمنت على المشهد الانتخابي على امتداد النهار، تراجعت في المساء، بعد إقفال صناديق الاقتراع وبدء عمليات الفرز، لتتصدّر “مفاجآت” النتائج الأولية الاهتمام، “مفاجآت” بدت عابرة للدوائر والمناطق، وانطوت على “دلائل” بالجملة، سواء لجهة الأسماء المرجحة لبعض الفائزين، وبالتالي الخاسرين، ولكن أيضًا لجهة بعض الأرقام التي سُجّلت، والتي تحتاج إلى الكثير من التأمّل.
فصحيح أنّ النتائج التي لا تزال أولية ولم تحسم بصورة نهائية بعد، أعطت “الصدارة” للقوى التقليدية نفسها تقريبًا، وإن بمعدلات متفاوتة، إلا أنّها تمخّضت في الوقت نفسه على “ضربة” لهذه القوى في أكثر من مكان، مع صعود بعض “الوافدين الجدد” على حساب بعض “رموزها”، كما حصل على سبيل المثال لا الحصر في دائرة الجنوب الثالثة، حيث سُجّل خرق “مدوّ”، وكذلك في الشوف-عاليه مع خسارة رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان لمقعده.
وفي الشارع المسيحي، حيث كانت المعركة “عالمنخار” حتى الأيام الأخيرة، جاءت النتائج “مفاجئة” أيضًا، مع تراجع “التيار الوطني الحر” وتقدّم “القوات اللبنانية”، ولو بقي الأمر محصورًا برأي كثيرين بين الحزبين نفسيهما، ما ينذر بـ”معركة” متواصلة بينهما على “قيادة” الشارع في المرحلة المقبلة، علمًا أنّه قد يكون مجديًا من كليهما أيضًا قراءة النتائج بتمعّن، بدل التنافس على “خطابات النصر” كما حصل منذ ساعات الليل.
في المحصّلة، طويت صفحة الانتخابات، وقد يكون هذا أهمّ ما تحقّق بعد يوم الأحد الطويل. انتهى “النقاش” حول ما إذا كانت هذه الانتخابات ستجري، وأيّ تغيير ستحمله، إن جرت. صحيح أنه سيُستبدَل بنقاش آخر حول النتائج في اليومين المقبلين، ليوظّفها كلّ طرف بما يخدمه. لكنّ الأهمّ يبقى بعد ذلك، بالنظر إلى الاستحقاقات والتحديات “الثقيلة” المنتظرة، والتي تأخّر أوانها كثيرًا!