كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: اليوم، أمام تشكيل الحكومة أكثر من استحقاق لا يتعلق باختيار اسم رئيسها المقبل، بل بعنوانها الأساسي: حكومة أكثرية أو حكومة وطنية أو البقاء في حكومة تصريف الأعمال.
النقطة الأولى في مقاربة الحكومة أن الانتخابات أفرزت «بازل» مختلطاً. وإذا كان حزب الله وحلفاؤه لم يربحوا الأكثرية، فإن الأكثرية تحتاج إلى تحديد نهائي وواضح لها كي تعرف حدودها النهائية ليس لجهة الأرقام المعروفة. إذ يفترض، بداية، تموضع جميع الفائزين في أمكنة غير ملتبسة لبناء نتائج عملية لا مجرد احتمالات لفهم طبيعة الحكومة الجديدة. فالنتائج أفرزت قوى واضحة الاتجاهات حزبية، كالتيار وحزب الله والقوات وحركة أمل والتقدمي الاشتراكي، لكنها أفرزت مجموعة متداخلة من النواب الفائزين من أحزاب المردة والكتائب والمستقلين والمجتمع المدني والشخصيات السنية المعارضة والموالية. كل هؤلاء في حاجة إلى تحديد خياراتهم الحقيقية واتجاه تحالفاتهم، لا سيما الفائزون من «المجتمع المدني»، وهم كتلة نيابية توازي عددياً كتلاً سياسية عريقة. فهل سيحددون مواقفهم مع قوى معارضة على «القطعة» أم بترك مسافة معها أياً كان الملف السياسي؟ وإذا كانت القوات حددت سلفاً موقفها من الحكومة الوطنية، وحدّد النواب المستقلون الفائزون كالنائب ميشال معوض ونواب الكتائب سلفاً خياراتهم في شأن الواقع السياسي والحكومة، فإن هناك نواباً منتخبين لم يحسموا خياراتهم الحكومية، وقد لا يكونوا بعيدين عن «طموحات» التوزير المغرية. إلا أن الأبعد من هذه الطموحات هو أن هؤلاء ليسوا «حالة انقلابية». فهم أتوا إلى قلب النظام عبر مؤسساته وطرقه الدستورية، وهم الآن أمام تحدي التعاطي بالملف السياسي عبر ثلاثة استحقاقات رئيسية وليس مقاربتها فقط على طريقة العناوين العامة كبناء الدولة ومكافحة الفساد والخطط الاقتصادية وبناء المدينة الفاضلة، فبين رئاستي المجلس والحكومة ومن ثم رئاسة الجمهورية، سيكون هؤلاء أمام خيار نعم أم لا، فقط لا غير.
أول من سيتلقى نتيجة الانتخابات هو التيار الوطني الحر الذي رفع سقف توقعاته الحكومية قبل الانتخابات تمهيداً لرئاسة الجمهورية، إذ سيفرض عليه الحزب الكثير من «التواضع». فالحزب الذي رفع حواصل التيار، وأعاد تثبيت قاعدته، لن يؤيده في ما يريده أولاً من الشخصية المرشحة لرئاسة الحكومة، بعدما ذهب الأخير في خيارات لا يريدها الحزب راهناً. ولن يكون متساهلاً في عملية مقاربة التيار ووضع عراقيل لجهة نوعية التمثيل والحصص. علماً أن التيار أو بعض من فيه يحاول «ابتزاز» الحزب بكونه لا يزال الحليف الوحيد الأكثر تمثيلاً مسيحياً وسياسياً، بعد خروج مجموعة من الحلفاء من دائرة الضوء.
والحزب سيكون حكومياً أمام مقاربة جديدة للواقع السني، بعد التشرذم السني والمقاطعة وفوز معارضين له في الانتخابات، وفوز معارضين من المجتمع المدني أيضاً. فأي فريق سني سيكون ممثلاً في الحكومة، علماً أن من يريد حكومة وحدة وطنية لن يذهب منطقياً إلى ترشيح أو الموافقة على خيار شخصية سنية تشكل تحدياً للطرف الآخر. في المقابل، نجح النائب وليد جنبلاط، في ترتيب بيته الدرزي وتركيزه، لكن جنبلاط الذي حدد عناوين المعركة وحصار حزب الله له، سيكون أكثر دراية في التعاطي بملفي رئاسة المجلس والحكومة، لأن ما أراد إثباته في الانتخابات نجح فيه. أبعد من ذلك، يعرف تماماً أين حدود اللعبة وآفاقها، في غياب حليف كالحريري.ما يريده حزب الله من الحكومة الجامعة معروف، لكن ما تريده المعارضة لا يزال يحتاج وقتاً كي يتبلور في صورة جامعة.