من يقرأ نسبة الإقتراع في دائرة الشوف – عاليه والتي تجاوزت الـ47%، سيستنتجُ أمراً واحداً أساسياً وهو أنّ “التصويت السّني” حصلَ بقوّة ومن دون أي تردّد.
حتماً، كان هذا الأمرُ لافتاً في الكثير من قرى وبلدات إقليم الخروب، حيثُ كانت الأحزاب التقليدية فيها ، ومعها قوى المجتمع المدني، تعوّل بشدّة على إستقطاب الكتلة السنيّة هناك من أجل “قلب المعادلة” الانتخابية.
ضمنياً، فإنّ “الصوت السّني” لم يكن موحداً باتجاه فريقٍ واحد، بل توزّعت أصواته على مرشحين كُثر ضمن لوائح عديدة. أما الأمر الأبرز فهو كان مشاركة جمهور “تيار المستقبل” الفعليّة في الإستحقاق الانتخابي، ما يعني أنّ عنوان المُقاطعة لم يُطبّق كما قيل.
فقبل الانتخابات، رفع مسؤولو “التيار” في الشوف شعار عدم الإنخراط بالعملية الانتخابية، إلا أن الواقع كان عكس ذلك، إذ تبين أن البعضَ منهم عمل لصالح عدد من المرشحين أبرزهم مروان حماده، أحمد نجم الدين، فيما سرّب البعض أصواتاً باتجاه الوزير السابق وئام وهاب، وأيضاً باتجاه لوائح المجتمع المدني.
من دون أدنى شك، ساهمت مشاركة جمهور “المستقبل” في تغيير مسار الانتخابات، إذ رفعت من جهة نسبة المشاركة، في حين أنها لم تُركّز على جهة معينة وواحدة، وهنا بيت القصيد. فسياسياً، يحملُ هذا الأمر دلالة واضحة على أنّ “التيار” لم يلتزم مع لائحة “الشراكة والإرادة” التي يدعمها الحزب “التقدمي الإشتراكي”، والسبب الأساسي هنا يرتبطُ بتحالف الأخير مع “القوات اللبنانية” ضمن اللائحة. ورغم هذا، كان الدعمُ كبيراً من بعض مسؤولي التيار للنائب مروان حماده، وهذا السيناريو الذي كشفه “لبنان24” سابقاً تحقق فعلاً قبل أيام قليلة من الإنتخابات، حيثُ حصلت عملية تجييش كبيرة في صفوف مسؤولي “التيار” لدعمِ حماده.
ووسط كل ذلك، كشف هذا الأمرُ هشاشة كبرى في “الإلتفاف السّني” على المرشح الذي يمثل الطائفة ضمن لائحة “الشراكة والإرادة”، والمعني هنا سعد الدين الخطيب الذي يعتبرُ مقرّباً من “المستقبل” وعلى علاقة جيّدة مع الحريري. وبشكل واضح، فإن الخطيب لم يحظَ بدعم “المستقبل” أبداً، بل ما تبين هو أن هناك جهات عملت ضدّه ضمن “التيار” باعتبار أنه “قطع الطريق أمامها للنيابة”.
في هذه النقطة، يتبين أن “التباين” الذي يسجل داخل “المستقبل” طغى بقوة. فقبل الإنتخابات، كانت هناك شخصيات قيادية بارزة في “المستقبل” هي التي رشّحت الخطيب مع لائحة جنبلاط، لكن هذا الأمر لم تتقبّله قاعدة المسؤولين في “المستقبل” ضمن الشوف، لأن الكثير من هؤلاء كانوا وعدوا نفسهم بـ”النيابة” بعد تلقي وعودٍ من المسؤولين نفسهم الذين رشحوا الخطيب!
مع هذا، فإنّ المشكلة كانت في أنّ أحد المسؤولين البارزين في “المستقبل” يلعبُ على أكثر من وتر. فمن جهة، كان ينسق مع مرشّحة في لائحة “مجتمع مدني”، بينما كان يتواصل مع الخطيب ويُخبره بأنه “ستتم متابعة المشاغبين” في التيار، الذين عملوا على تأليب الشارع ضدّه قبل يومٍ واحد من الإنتخابات. ولذلك، فإن هذا الأمر يؤدي إلى تساؤلات أساسية: من كان يدعم التيار؟ هل كان الهدف تشتيت الأصوات؟ هل كان للمال دوراً في عملية تقسيم أصوات الكتلة الناخبة؟
في السابق، كان هذا الأمرُ يحصلُ مع الجماعة الإسلاميّة حينما كانت تضع أصواتها دائماً كـ”وديعة” عند جنبلاط، لكن هذا الأمر لم يحصل هذه المرة وخاضت معركتها ضمن لائحة مستقلة. ورغم كل ذلك، فإنّ الرهان التي عملت عليه الجماعة سقط تماماً، وكان يرتبط بمحاولتها إظهار أن حجمها عميقٌ وكبير في الشوف، لكن الأرقام ونتائج الانتخابات نسفت لعبة الأحجام الشعبية المرتبطة بالجماعة، وكشفت عن تراجعٍ غير مسبوق لها وتحديداً في البلدات السنيّة الكبيرة في إقليم الخروب.
قبل الإنتخابات، جرى تحذير الجماعة من مغبة خوض معركة في لائحة خاسرة، وجرى نصحها بدعم مرشحين ضمن لوائح المجتمع المدني، مثل المرشح عن المقعد السني مع لائحة “توحدنا للتغيير” عماد سيف الدين. غير أن الجماعة، وبقوة، رفضت دعم تلك اللائحة، متهمة عرابيها مارك ضو وحليمة القعقور باستبعاد مرشح الجماعة منها محمد عمار الشمعة، وقد تم وصف هذه الخطوة بـ”إقصاء مقصود”، هدفه حرمان الجماعة من وصول الشمعة إلى البرلمان عبر “توحدنا للتغيير” بدلاً من القعقور، وهذا الأمر كان سيتحقق ولكن بنسبة مشكوك بأمرها.