طويت صفحة الانتخابات النيابية، وبدأت القراءات “الواقعية” من جانب القوى السياسية لما أفرزته من نتائج جاءت مخالفة لكلّ التوقعات، و”صادمة” للمراهنين على الحصول على أكثرية “مريحة”، وخصوصًا بعدما بلورت “خريطة جديدة” ضمّت للمرة الأولى ما يمكن اعتبارها “كتلة” للمستقلّين والمجتمع المدني، قد يكون لها دور أكثر من مؤثّر في المجلس الجديد.
وفيما “تناوب” العديد من قادة الأحزاب والقوى السياسية في اليومين الماضيين على الإقرار بالنتائج، وإبداء “الانفتاح” على “الوافدين الجُدُد” إلى البرلمان، فإنّ كلّ الأنظار اتجهت نحو “الاستحقاق الأول” الذي ينتظره البرلمان، ألا وهو انتخاب رئيسه، ولا سيما أنّ كلّ المؤشّرات توحي أنّه سيشكّل “المعركة الأصعب” ربما لنبيه بري، منذ أول برلمانات ما بعد الطائف.وإذا كان المحسوبون على بري يؤكدون أنّه “يضمن” الأكثرية، ولو كانت أقلّ من الدورات السابقة، وفقًا للتقديرات، ويطمئنون إلى أن “لا خوف” على رئاسته للمجلس، طالما أنّه المرشح “الوحيد”، باعتبار أنّ النواب الشيعة جميعًا يغرّدون في سربه، فإنّ ثمّة من يسأل ما إذا كان الاستحقاق سيمرّ بـ”سلاسة” فعلاً، بل يذهب إلى التلميح بـ”مقايضات” قد تحصل.
لا مرشّح غيره!بالنسبة إلى المحسوبين على بري، والمتحمّسين لـ”تجديد البيعة” له رئيسًا للبرلمان، فإنّ ما “يضمن” عودته لرئاسة المجلس، شاء من شاء وأبى من أبى، يكمن في أنّ ثنائي “حزب الله” و”حركة أمل” نجح في “انتزاع” كلّ المقاعد الشيعية من دون استثناء في الانتخابات الأخيرة، متفوّقًا بالتالي على نفسه، ما يطيح بأيّ إمكانية لـ”فرض” أيّ مرشّح سوى بري، أو من يختاره الأخير في حال قرّر ذلك من تلقاء نفسه.ويشير هؤلاء إلى أنّ ثمّة بالتأكيد من سيحاول “الاستظراف” خلال جلسة مجلس النواب عبر طرح أسماء غير برّي لرئاسة المجلس، لكنّ مشكلة هؤلاء أنّ رئاسة المجلس يجب أن تكون لنائب شيعي، وبالتالي فإنّ أيّ اسم يختارونه سيكون من “محور” بري نفسه، في حين أنّ هناك من سيسعى إلى تقليل عدد الأصوات التي يحصدها بري، لعلّه بذلك يوصل “رسالة” إلى القاصي والداني بتغيير “قواعد اللعبة”.
رغم ذلك، يعتبر كثيرون أنّ عودة بري “مضمونة”، متحدّثين عن اتصالات تجري خلف الكواليس مع العديد من القوى والأحزاب السياسية، للتوصل إلى “سلة متكاملة” لـ”طبخة المجلس” التي تشمل الرئيس ونائب الرئيس وهيئة المكتب، مشيرين إلى إمكانية حصول “الأستاذ” بذلك على تأييد أحد المعارضين له، وفق “سيناريو” يشمل تسمية “مرشحه” لنائب الرئيس، وهناك بعض الأسماء المطروحة في هذا السياق. الرهان على “التيار”؟!يقول العارفون إنّ بري “يضمن” سلفًا بعض الأصوات المؤيدة له، من كامل الكتلة الشيعية، إضافة إلى الكتلة الدرزية التي يمثّلها “اللقاء الديمقراطي”، وعدد لا بأس به من النواب السنّة، وبينهم ممّن كانوا محسوبين على تيار “المستقبل”، لتسلط الأنظار على كيفية تموضع النواب المسيحيين المنقسمين على نفسهم، ومعهم “التغييريين” الذين حسموا موقفهم سلفًا بأنّهم لن يصوّتوا لبري.وفي حين كان لافتًا “رمي” اسم النقيب ملحم خلف في “بازار” التسميات في بعض الأوساط، وقد فُسّر على أنّه محاولة من جانب بري لاستمالة وجوه “التغيير” لصالحه، يبدو أنّ هؤلاء قد حسموا موقفهم، وهم لن يصوّتوا لبري كما يجزم معظمهم، وقد لفت في هذا السياق اللقاء الذي عقده بعضهم، تمهيدًا لتأسيس “كتلة” وفق المعلومات بما يحدّ من شأن أيّ “تمايز”، علمًا أنّ نفي خلف نفسه السعي وراء أيّ منصب له دلالاته أيضًا.إزاء ذلك، فإنّ محاولات تنشط مع كل من “القوات” و”التيار” على قاعدة “المقايضة” لتسمية بري رئيسًا مقابل اختيار الياس بو صعب أو غسان حاصباني نائبًا له، رغم أنّ الحزبين سبق أن أوحيا بأنّهما غير “متحمّسين” لذلك. وتشير المعلومات إلى أنّ الرهان الأكبر يبقى على “التيار”، الذي سيعمل “حزب الله” على إقناعه بتسمية بري، أو بالحدّ الأدنى مدّه بما يحتاج من أصوات على الأقلّ، وفق كلمة السر المعتادة نفسها، “ترك الحرية لأعضاء التكتل”لن تكون عودة بري إلى رئاسة المجلس صعبة، ففي الحالة القصوى، يمكنه أن يلتجئ إلى القانون، الذي يتيح فوزه بالأكثرية النسبية فقط في الدورة الثالثة، وإن كان مثل هذا السيناريو “غير محبذ” لمن اعتاد رئاسة البرلمان منذ الطائف. لكنّ الأكيد أن الأجواء المحيطة بهذا الاستحقاق، الذي لطالما كان “الأسهل”، تعطي صورة بسيطة عمّا ينتظر هذا البرلمان من صعوبات وعوائق..