لم يخرُج رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من معركة الإنتخابات النيابية “مُنهزماً”، إذ يرى أن لديه 21 نائباً في مجلس النواب، الأمر الذي يجعله يقرّ علناً بأن لديه أكبر كتلة مسيحية في البرلمان.
بعيداً عن لعبة الأرقام، كان باسيل واضحاً في خطاباته الشعبية لناحية التأكيد على أن “التراجع” بشعبية التيار كان طفيفاً. حُكماً، فإن في ذلك رسالة للأحزاب المسيحية الأخرى مفادها أنّ “التيار” لم يتأثر بالحملات التي سيقت ضدّه، كما أنّ الشعارات التي رُفعت ضد “الوطني الحر” لم تؤدّ غرضها خلال الاستحقاق الانتخابي. غير أنه في المقابل، فإن قراءة الأرقام تكشفُ عن واقع آخر، والمؤكد هو أن التراجع حصل فعلاً في أكثر من دائرة وتحديداً بالنسبة للمرشحين الحزبيين التابعين للتيار.
في الانتقال إلى الوقائع والحيثيات، كان باسيل مصراً قبل الانتخابات على حشدِ الأصوات لصالح مرشحين ينضوون تحت لواء “الوطني الحر” أو يتحالفون معه. ففي جزين التي خسر فيها “الوطني الحر” صقوره، جرى توزيع الأصوات، والأمرُ نفسه حصل في المتن وجبيل كسروان. أما في الشوف – عاليه، فكان الأمرُ مختلفاً إلى حدّ ما، حيث كان للتيار هناك 3 مرشحين أساسيين وهم: سيزار أبي خليل (عاليه)، غسان عطالله (الشوف) وفريد البستاني (الشوف).
بالنسبة لأبي خليل وعطالله، فإنّ دعم التيار لهما كان عميقاً ومُطلقاً، وهو أمرٌ سبق لباسيل أن أعلنه قبل الانتخابات النيابية خلال جولة قام بها إلى الشوف. في ذلك الحين، أعلن رئيس “الوطني الحر” أيضاً أن حزبه سيدعم البستاني بالأصوات، وذلك لضمانه مع عطالله وأبي خليل. غير أنه فعلياً، فإنّ فوز الأخير، أي أبي خليل، كان شبه مضمونٍ في عاليه، إذ لا خطر عليه، لكن أرقام النتائج كشفت عن تراجعه بشكل كبير. ففي الانتخابات الأخيرة، حاز أبي خليل على 5,698 صوتاً، بينما حاز في انتخابات العام 2018 على 8124 صوتاً، ما يؤكد أن التراجع كبيرٌ ووازن، ويؤكد أن التيار يعاني جداً في الشوف – عاليه. أما بالنسبة لعطالله، فكان الأمرُ مختلفاً على نحو قليل، إذ نال 5,149 صوتاً في الانتخابات الأخيرة مقابل 4113 صوتاً في العام 2018. هنا، فإن هذا الصعود “الطفيف” في الأصوات حصل وسط دعم من التيار، علماً أن معركة عطالله كانت في الأصل سهلة، إذ لم يكن في وجهه منافسٌ قوي، وبالتالي فإن مقعده كان مضموناً منذ بداية المعركة.
عملياً، فإنّ رقمي أبي خليل وعطالله يكشفان أن ثقل “الوطني الحر” في كل الشوف – عاليه خلال الانتخابات الحالية، لا يتجاوز الـ12 ألف صوتاً، وبالتالي فإنّ التمثيل تراجع بقوة، وهو أمرٌ يفرض على التيار دراسة وضعه في دائرة الشوف – عاليه التي تعتبرُ دائرة مفصلية تركزت الأنظار عليها خلال الانتخابات لاسيما بعد الخروقات التي أحدثها مرشحو المجتمع المدني.
ووسط هذه المشهدية، برزت نقطة تحوّل بشأن النائب فريد البستاني، الذي بينت أرقامه أن هناك “تقدمّاً” حقيقياً قد حصل بشأنه. ففي العام 2018، نال البستاني 2657 صوتاً في حين أنه نال حالياً 4347 صوتاً، أي بزيادة 1690 صوتاً.
ضمنياً، فإنّ ما يتبين هو أن الأصوات التي حاز عليها البستاني جاءت “صافية” من دون أي تجيير من قبل “الوطني الحر”، إذ أن الأخير ركّز على مرشحه الحزبي غسان عطالله، في حين أن البستاني هو مرشحٌ مستقل وليس منتمياً إلى التيار، أي أن الأفضلية في الدعم لم تكن له، بحسب ما كشفت مصادر سياسية لـ”لبنان24”.
مع هذا، فقد تبين أن البستاني استطاع أن يتقدّم بنسبة الأصوات من جهة، وتمكن من ضمان مقعده في سُلّم الحواصل الانتخابية، وبالتالي شكل هذا الأمرُ نقلة نوعية للائحة “الجبل” في الشوف، وبالتالي كان البستاني رافعة أساسية لها عبر أصواته البعيدة عن دعمٍ حزبي. وعليه، فإنه لو انسحب البستاني من الانتخابات بسبب ما عُرف بـ”عقدة البساتنة” التي طرأت قبل الاستحقاق، لكانت اللائحة خسرت حاصلها الثالث، ما يشير إلى أن لائحة “الجبل” كادت ستحصل على نائبين فقط. ولهذا، فإن ترشح فريد البستاني كان ضرورياً للائحة من ناحية الحواصل الانتخابية والأرقام بين قضائي الشوف وعاليه.
على صعيد السياسي، فإنّ البستاني عمل على تمكين نفسه في الشوف، كما أنه حظي على دعم من الأصدقاء والمقربين منه بغض النظر عن تحالفه الانتخابي مع “الوطني الحر”. فخلال الانتخابات، حازَ البستاني على أصوات من الطائفة الشيعية، كما نال أصواتاً من الطائفة السنية. وعلى الرغم من وجوده في تكتل “التيار الوطني الحر”، إلا أن الأطراف الأخرى لا تنظر إليه على أنه شخصية صدامية سياسياً. لذلك، فإن البستاني يعد قريباً من “الإشتراكي” و”المستقبل”، كما أنه ليس بعيداً عن مختلف الأطراف الشعبية المسيحية في الشوف.