عام يفصلنا عن الانتخابات البلدية… هل يمكنها الصمود بعد؟

24 مايو 2022

كتبت زيزي إسطفان في نداء الوطن:
 
من الصحّة العامّة، والتنمية المدنية الى البناء والخدمات العامّة والأمن المحلي وتنظيم الطرقات وتنظيفها وصولاً الى التخلّص من النفايات، كلها صلاحيات منحها القانون للبلديات. ولكن بين القانون والقدرة على التنفيذ تتسع الهوة يوماً بعد يوم لا سيما في السنتين الأخيرتين حيث تحاول البلديات التي تعاني أصلاً من نواقص بشرية ومالية وتنظيمية وتأهيلية كبيرة الصمود باللحم الحي لتأمين رواتب موظفيها أولاً واحتياجات المواطنين في نطاقها ثانياً. الحال أكثر من مأسوية والإفلاس كما يؤكد البعض ليس مستبعداً في كثير من البلديات.

هذه هي مشاكل البلدياتمن ضمن مشروع تمكين البلديات وتعزيز قدرتها على الصمود الذي نظمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UN-Habitat والإتحاد الأوروبي بالشراكة مع «أفكار مؤسسية مبتكرة»Innovative Institutional IDEAS تحت رعاية وزارة الداخلية والبلديات وبالتنسيق مع المديرية العامة للإدارات والمجالس المحلية، تم مؤخراً الكشف عن نتائج مشروع التقييم المالي للبلديات الذي تم على عدد من البلديات والاتحادات وبيّن وجود مشاكل بنيوية في عمل البلديات حيث أن الهيكلية الوظيفية تعود الى ستينات القرن الماضي. وأمكن تلخيص هذه المشاكل تحت أبواب خمسة أولها الإطار المؤسساتي ومن ضمنه رؤية البلدية وبرامج عملها وإدارة الموارد البشرية حيث يعاني معظم البلديات من وجود عدد كبير من الوظائف الشاغرة ونقص حاد في الموظفين وغياب التدريب لهؤلاء.على صعيد الإدارة فإن معظم البلديات لا تملك رؤية استراتيجية للاحتياجات وما يمكن ان يواجهها من تحديات كوحدة إدارة الكوارث على سبيل المثال. وبالرغم من ان بعض البلديات لديها إدارة جيدة للسجلات المالية والإدارية، فإن معظم البلديات تفتقر الى أنظمة متطورة إلكترونية لحفظ الملفات وتخزينها. وبشكل عام لا تزال تستخدم تكنولوجيا المعلوماتية بشكل محدود في أعمالها المالية ولا خطط عمل لاستخدامها بشكل أفضل. كما أن العنصر البشري لصيانة انظمة المعلوماتية غير موجود ويتم التعاقد مع شركات خاصة. كذلك يفتقد معظم البلديات الى الشفافية في التعاطي مع الأمور المالية وغيرها وهو أمر يؤثر بشكل كبير على تعاطيها مع الجهات المانحة التي تتعامل مع شفافية المعلومات بجدية كبيرة. أما على صعيد المؤشرات الاجتماعية الاقتصادية فثمة نقص فادح في المعلومات التي يجب ان توفرها البلديات بالنسبة لعدد السكان مثلاً او نسب الولادة والتعليم والهجرة حتى المؤسسات الانتاجية والتجارية فيها وكلها معطيات ضرورية كي تحدد البلدية اولوياتها، كما إن إجراء مسح مستمر لها أمر اساسي وحيوي. اما بالنسبة الى التقييم المالي فمشاكل البلديات تتشعب من حيث قدراتها وإدارتها المالية لا سيما مع قدرة متدنية على تحصيل الرسوم وعدم وجود احتياطي موازنة في معظم البلديات وعدم توزيع الصندوق البلدي بشكل واضح ومنتظم زمنيأ (على الوقت) ما يمنع البلديات من إمكانية وضع موازنة واقعية. وتبقى أخيراً المشاكل القانونية التي تواجهها البلديات وتحد من قدراتها.

من يملأ فراغ البلديات؟في تماس يومي مع مشاكل البلديات الكبيرة كما الصغيرة يتحدث الريس حسن دبوق رئيس بلدية صور ورئيس اتحاد بلدياتها الذي يضم 60 بلدية الى «نداء الوطن» شارحاً وضع البلديات ومختصراً إياه بأنها تسير بقدرة غريبة. فالبلديات الصغيرة تسير على التبرعات التي تأتيها من مواطنين او مغتربين مقتدرين وهذه التبرعات تكفيها لتسيير أمورها الأساسية أو القيام ببعض المشاريع الإنمائية، اما البلديات الكبيرة فمعاناتها أكبر ومصاريفها أوسع وبعضها يضم ما يقارب 170 موظفاً هي مسؤولة عنهم ولا يمكن للتبرعات أن تغطي هذا الحجم من الإنفاق فحجم البلدية وعدد موظفيها يحدد بداية احتياجاتها المالية. والجباية لا تزال بالليرة اللبنانية فيما كل المصاريف بالدولار.بصراحة مطلقة يقول دبوق «بإمكاننا أن نصمد ثلاثة أشهر فقط إن لم ننل حصتنا من الصندوق البلدي. الدولة أصدرت قراراً بزيادة رواتب الموظفين والعمال وهذه خطوة صحيحة لا بل أقل الواجب تجاههم لكنها في الوقت نفسه رتبت على البلديات أعباء مالية كبيرة وفي حين يتم منح سلفة خزينة لمؤسسات الدولة فإن ذلك لا ينطبق على البلديات ونحن اليوم ندفع الرواتب والزيادات عليها من اللحم الحي ولا يمكننا تجاهل ذلك حتى يتمكن العمال من تأدية وظائفهم والحضور الى مركز عملهم. ولحسن حظنا ان معظم موظفينا من داخل المدينة ولا أعباء تنقل عندهم ومعظمهم نتعامل معهم بالمحبة والمونة، أما من كان من خارج المدينة فلا بد من مساعدته ببنزين شهري ليصل الى عمله. المصاريف زادت 20 ضعفاً يؤكد دبوق وليس لدينا أي زيادة في المدخول ولا مصادر مالية أخرى، نحن في أزمة ولا يمكن ترك الأمور على ما هي عليه والحلول ليست مستحيلة».

لا شك ان مستوى الخدمات في كل البلديات قد تراجع ولكن ثمة خدمات لا يمكن التغاضي عنها وأبرزها النفايات التي هي أولوية مطلقة كما يؤكد حسن دبوق ولا بد لكل بلدية أن تعيد ترتيب أولوياتها وتستغل الإمكانيات المتوافرة لديها لتأمين هذه الأولويات.