كتب جهاد اسماعيل في “الاخبار”: حرص المشرّع اللبناني على ترسيخ دعائم مجلس النواب، المُناطة، أساساً، في هيئة مكتب المجلس ورئيسها. نصّت المادة الثانية، الفقرة الاولى، من النظام الداخلي لمجلس النواب: «يجتمع مجلس النواب بناءً على دعوة أكبر اعضائه سناً وبرئاسته لإنتخاب هيئة مكتب المجلس في أول جلسة يعقدها بعد تجديد انتخابه، وذلك في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من بدء ولايته»، ما يطرح تساؤلاً عن مدى امكانية تجاوز هذه المهلة في حال لم يدعُ «رئيس السن» المجلس لانتخاب رئيس له، ذلك أنها إشكالية خلافية مطروحة في النقاش الدستوري والسياسي، من دون أن تُسقط المسلّمات في اعتبار هذه المهلة، في رأينا، مهلة حثّ لا إسقاط، تبعاً للأسباب التالية:
– لم يرسم المشرّع، في المادة الثانية السالف ذكرها، جزاءً أو فرضاً أو سياقاً، كما فعل في سائر المواد في النظام الداخلي لمجلس النواب، وتحديداً في المادة 92، حينما أُلزمت الهيئة المشتركة المنبثقة عن هيئة مكتب المجلس ولجنة الادارة والعدل النيابية بتقديم تقرير بشأن طلب «رفع الحصانة» في مهلة أقصاها أسبوعان، واذا لم تقدّم الهيئة المشتركة تقريرها في المهلة المعنية في هذه المادة، أجبرت المادة 93 رئاسة المجلس اعطاء علم بذلك للمجلس في اول جلسة يعقدها، وللمجلس، عندئذٍ، أن يقرر مهلة اضافية بالقدر الذي يراه كافياً أو وضع يده على الطلب والبتّ به مباشرةً.
– والسياق نفسه نجده في متن الدستور اللبناني، عندما ألزمت المادة 64 من الدستور الحكومة بعرض بيانها الوزاري في مهلة ثلاثين يوماً، من دون أن تفرضَ سياقاً أو التزاماً على الحكومة عند تجاوز هذه المهلة، على خلاف المادة 58 من الدستور الّتي سمحت لرئيس الجمهورية، عند تجاوز مجلس النواب في مناقشة واقرار كلّ مشروع قانون تقرّر الحكومة كونه مستعجلاً بعد مضي أربعين يوماً، بأن يصدر مرسوماً قاضياً بتنفيذه بعد موافقة مجلس الوزراء، والامر مماثل في المادة 86 من الدستور، حين لا يبت مجلس النواب، نهائياً، في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعيّن لدرسه، وعند انقضاء العقد الاستثنائي، عندئذٍ يمكن لمجلس الوزراء ان يصدر قراراً، بعد موافقة رئيس الجمهورية، يجعل مشروع الموازنة مرعياً ومعمولاً به، وكذلك الحال بالنسبة للمادة 56 من الدستور، الفقرة الثانية، بشأن حق رئيس الجمهورية في اعادة النظر بالقرارات التي يتخذها مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً، وبالتالي إن اصرار مجلس الوزراء على القرار المتخذ او في حال انقضاء المهلة من دون اصدار المرسوم يعتبر المرسوم نافذاً.
– ما يعزّز هذا المنحى من التحليل هو أنه لا يجوز، عملياً ، عند تفسير أيّ مادة قانونية أو دستورية، التوقّف عند المادة المُراد تفسيرها حصراً، من دون ربطها ببقية المواد قياساً أو استنتاجاً، على اعتبار أن المادة الثالثة من النظام الداخلي لمجلس النواب، الّتي تلي المادة 2، والمعطوفة على المادة 44 من الدستور، تدعو المجلس، على سبيل الأولوية أو الأفضلية، في انتخاب الرئيس ونائبه بنصّها: «ينتخب المجلس أولاً… الرئيس…»، من دون أن يصل الأمر إلى اعتبار هذا الالتزام كأنه لم يكن عند تعذّر انعقاد المجلس لسبب من الأسباب، لا سيما أن موقع «رئاسة المجلس» يُعنى، قانوناً، بتطبيق النظام الداخلي للمجلس بحرفيته وروحه لا سبباً في تبديد نيّة المشرع في الدستور والنظام الداخلي نفسه. حينئذٍ لا يجوز أن يُفرض، افتراضاً، على المجلس انتخاب الرئيس «بمن حضر» في حال عدم دعوة «رئيس السن» للمجلس، وهو أمرٌ لم تُجزه النصوص على الاطلاق، ولو كان الأمر على هذا المنوال، لكان الدستور قد اشار اليه.
بناءً عليه، إنّ المهلة المنصوص عليها في النظام الداخلي للمجلس تدفع للاسراع في انتخاب الرئيس ونائبه من اجل استكمال أُسس «المطبخ التشريعي والرقابي»، وبالتالي انجاز الاستحقاقات الهادفة نحو بناء المؤسسات الدستوريّة، سواء في تشكيل الحكومة أو في انتخاب رئيس الجمهورية عند نفاذ المهلة، وهو إلتزامُ يقتضيه المنطق قبل كلّ شيء، وحضّ عليه المشرع في مهلة محددة، انما ضمن مهلة «حثّ» لا «اسقاط»!