عُرف لبنان سابقاً بأنه “مستشفى الشرق الأوسط” لكن الأزمة المالية التي عصفت به منذ أكثر من سنتين ضربت كافة القطاعات ومنها المُستشفيات التي تُعاني حالياً من أزمة سيولة وعدم القدرة على تأمين المستلزمات الطبية بسهولة إضافة إلى هجرة كوادرها.
ومع وصول القطاع الصحي إلى حافة الانهيار بسبب عدم قدرته على الاستمرار في ظل الأزمة الراهنة، دعت نقابتا أطباء لبنان في بيروت والشمال ونقابة أصحاب المستشفيات الخاصة إلى الإضراب العام والتوقف التام عن العمل يومي الخميس والجمعة في 26 و27 أيار الحالي وذلك في العيادات والمراكز الصحية والمستشفيات باستثناء الحالات الطارئة، رفضا لسياسات مصرف لبنان والمصارف بحق المودعين عامة والاطباء والعاملين في القطاع الصحي والمستشفيات.
وفي هذا الإطار، أوضح نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون عبر “لبنان 24” ان “الأزمة تتفاعل منذ أكثر من 4 أشهر فالمصارف تحتجز أموال المستشفيات ولا نملك أي طريقة للوصول إلى حساباتنا، ونضطر لدفع كل المصاريف نقدا من شراء مستلزمات طبية ومعاشات الموظفين والفيول لتشغيل المولدات علما ان كل الجهات الضامنة تدفع لنا بواسطة تحويلات إلى المصارف”.
وعن مُطالبة المستشفيات المرضى بالدفع “كاش”، لفت هارون إلى ان “المريض يدفع جزءا من الفاتورة ولا يسددها بأكملها فالضمان الاجتماعي على سبيل المثال يحتسب الدولار على سعر 1500 ليرة وبالتالي المريض يتحمل شخصيا دفع الفروقات نقداً للمستشفى”.
واعتبر هارون ان “المبالغ المدفوعة نقداً من قبل المرضى غير كافية للمستشفيات لدفع الأجور وشراء المستلزمات الطبية والأدوية وغيرها، وبالتالي بسبب سياسة المصارف ومصرف لبنان لم يعد بإمكاننا تسديد ثمن الأدوية والمستلزمات الطبية التي يفرض الوكيل علينا ان ندفعها نقداً، كذلك الأمر بالنسبة للأطباء الذين يستلمون شيكات كبدل أتعابهم ولا يمكنهم إدخالها إلى حساباتهم، وبالتالي لا قيمة لعملية التحويلات والشيكات”.
ولفت هارون إلى ان “نقابة المستشفيات تواصلت منذ أشهر مع كافة المعنيين لحل هذه المعضلة والمحاولة الأخيرة كانت مع وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض الذي عرض الموضوع مع الرئيس نجيب ميقاتي والذي بدوره طلب من حاكم مصرف لبنان حل المشكلة ولكن للأسف لم يكن هناك أي تجاوب من المصارف وبالتالي الأزمة مستمرة وستزيد”.
وتابع: “المصارف تطلب من المستشفيات حالياً ان تؤمن نقدا مجموع أجور الموظفين وان تعطيها للمصرف كي يقوم بدوره بدفعها للعاملين، وبالتالي وصلت المشكلة إلى موظفي المستشفيات الذين لم يعد بإمكانهم الحصول على رواتبهم”.
وأضاف هارون: “نصعد موقفنا للوصول إلى نتيجة فلا يمكن الاستمرار بهذا النهج وعدم تسليم المستشفيات الأموال لتسديد فواتيرها. وأنا حذرت سابقا من اننا سنصل إلى مرحلة يُصبح فيها الاستشفاء حكراً على الأغنياء فقط وهذا ما يحصل حالياً”.
مُستشفيات إلى الإقفال
وأشار هارون إلى ان “نسبة الإشغال حالياً في المستشفيات لا تزيد عن الـ 50% ما يعني ان الناس لم يعد بإمكانهم الدخول إلى المستشفيات وفي حال أصبحت المستشفيات غير قادرة على استقبال المواطنين كما في السابق فهم سيموتون في بيوتهم وليس على أبواب المُستشفيات”.
وأوضح هارون ان “كل مريض يكلف المستشفى يوميا 40 دولاراً ما بين سعر مازوت وصيانة مولدات وتغيير زيوت وهي أعباء أصبحت خيالية مع ارتفاع أسعار المحروقات ولا يمكن تحملها”.
وحذر من ان “الخطوات المُقبلة بعد الإضراب العام والتوقف عن العمل يومي الخميس والجمعة ستكون أقسى وفي حال لم يتم السماح لنا باستخدام أموالنا من المصارف سنضطر ان نقبض كل شيء نقداً وبالتالي سيضطر مرضى الضمان الاجتماعي دفع الفاتورة الاستشفائية كاملة، وأكد “لا نريد الوصول إلى هذه المرحلة نحن ننبه فقط للأمر ونتحمل مسؤولية هذه الإجراءات وفي الوقت نفسه نتكفل بألا يُصاب المريض بأي أذى”.
وعن إمكانية إقفال بعض المستشفيات أبوابها جراء هذه الأزمة، أعلن هارون انه بسبب الأزمة المالية نُقلت إدارة عدد من المستشفيات إلى مستشفيات أكبر، كما تبلغنا من إدارات بعض المُستشفيات انه في حال استمرار الوضع الحالي ستضطر إلى إقفال أبوابها.
أزمة الأدوية و”جدري القردة”
وعن أزمة انقطاع الأدوية، أشار إلى ان “المستشفيات تُعاني من انقطاع أدوية الأمراض المزمنة والسرطانية”، واعتبر ان “إقرار حكومة تصريف الأعمال سداد مبلغ 35 مليون دولار اميركي شهريا للأشهر الأربعة القادمة لأدوية الامراض المستعصية ستؤدي نسبياً إلى انفراج في الأسواق”، مُطمئناً ان “أدوية البنج أصبحت موجودة”.
ومع انتشار فيروس “جدري القردة” واحتمال وصوله إلى لبنان كيف ستتعاطى المُستشفيات مع الأمر؟ أجاب هارون: “نحن سنواكب هذا الموضوع وسنقوم بواجباتنا على أكمل وجه ولكن نأمل عدم انتشار هذا المرض في لبنان لأنه لا يمكننا استيعاب أرقام كبيرة كما حصل مع فيروس كورونا”.
ختاماً لا بد من الإشارة إلى انه في عام 2018 احتلّ لبنان المركز الـ33 بين 195 دولة في العالم، والمركز الثالث في الشرق الأوسط، في مؤشّر الوصول إلى الجودة في الرعاية الصحية، ولكن للأسف كل هذا صار من الماضي، فالواقع الاقتصادي المُنهار الذي يمر به البلد حالياً أعاده عشرات السنوات إلى الوراء.