منذ اندلاع “ثورة 17 تشرين” وانطلاق الحراك الشعبي الذي زيّن مختلف المناطق اللبنانية وضخ فيها نفس الحياة بعد ركود دام لسنوات وسنوات، ومنذ عودة المواطن اللبناني الى التعبير عن رأيه وتطلعاته بطريقة علنية ودون خوف او تلط أو محاولة لتغليف الحقيقة، وهذا ما ظهر في ساحات العاصمة وطرابلس وصيدا وكفرمان وزغرتا والبقاع وغيرهم،
منذ ذاك الوقت، بات الجميع على علم ودراية ان المشهد السياسي مقبل على تبدل أو تغيّر بغض النظر عن طبيعتهما وحجمهما.
وما بين الثورة والانتخابات النيابية، أشهر طويلة من التخبط والضياع والانهيار، حاولت فيها بعض أحزاب السلطة التأكيد ان لا مكان للتغيير، كما حاولت بعض مجموعات الثورة عن قصد او عن غير قصد تفريق الصفوف وخلق حالات من الضعف والتشرذم.
وفي هذه الشهور نفسها، سمعنا آلاف التحليلات التي صبت بمعظمها حول فكرة واحدة متمثلة في أن ضياع وتشتت الثوار وعدم تمكنهم من خلق حالة موحدة على طول الساحة اللبنانية ، ستدفع بهم الى الزوال، وبذلك نوع من التأكيد على ضرورة وجود مجلس تنظيمي للثورة وقيادة موحدة لها.
لكن الوقائع التي أنتجتها الانتخابات النيابية خالفت كل هذه النظريات وأكدت ان رياح التغيير عندما تهب فعلا لا بد لها من ان تترجم في صناديق الاقتراع، على الرغم من الأخطاء والضغوطات والنواقص المختلفة.
وفي الاطار، يرى البعض ان حجم التغيير على صعيد عدد النواب غير متكافىء مع حجم الأزمة الاقتصادية الخانقة ومع الالم والوجع الكبيرين الذين خلفهما انفجار مرفأ بيروت.
من هنا وبعيدا عن نظرية التغيير التراكمي، لا بد من الاشارة الى ان الصناديق الاقتراعية أفرزت نتائج انتخابية لا بد من احترامها والتعاطي معها وفقا لأحكام الدستور على الرغم من السلبيات الكثيرة التي ينطوي عليها القانون الانتخابي الذي أفرز ما أفرزه وعلى الرغم من المال السياسي الذي سال لأكثر من أسبوع مساهما في الوصول الى التركيبة الحالية لمجلس النواب.
وما يجب التوقف عنده بطريقة ايجابية، هو النفس الجديد الذي دخل الى المجلس النيابي والذي يعتبر علامة فارقة في المجالس النيابية التي تتالت منذ “اتفاق الطائف” وحتى اليوم، فصحيح ان تلك المجالس دخلتها وجوه جديدة لكنها جميعها كانت تنتمي بطريقة مباشرة او غير مباشرة الى الأحزاب والتيارات التقليدية.
واليوم، امام النفس الجديد المعوّل عليه لاحداث الفرق داخل المجلس النيابي، لا بد من تسليط الضوء على النقاط التالية:
أولا: من غير المنطقي نبش ملفات وتاريخ كل نائب تغييري ومحاولة تصويره انه ينتمي الى مجموعة معينة، فالبلاد عرفت الاحزاب منذ زمن طويل ومن الطبيعي جدا ان ينخرط الفرد في مجموعة حزبية يتماهى معها لفترة محددة قد تطول او تقصر وفقا لعدة عوامل.ثانيا: مختلف النواب التغييرين الذين وصلوا الى “برلمان 2022” هم ممن نادوا في الساحات وبصورة علنية “كلن يعني كلن”.ثالثا: من المفاهيم الأساسية التي أكدت عليها “ثورة 17 تشرين” التي يمثلها النواب التغييريون ، نذكر المناداة بفصل الدين عن الدولة وبالدفع نحو الوصول الى دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون على اختلافهم، واللافت هنا هو تداعي بعض النواب التغييرين الى حضور لقاءات واجتماعات تحت رعاية دينية مباشرة.رابعا: كان لافتا جدا السقوط الاعلامي الذي أصاب شريحة واسعة من النواب التغييريين خلال بعض الاطلالات التلفزيونية أو بعض المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من هنا قد تكون دراسة الخطوات الاعلامية واجبا لا بد منه.بناء على كل هذا، يبدو ان مجموعة من النواب التغييريين أمسوا كمن يضع “رجلا في الفلاحة واخرى في البور”، لكن وعلى الرغم من هذا، قد يكون من المبكر جدا رسم معالم “الجبهة التغييرية” التي ينتظر المواطن سلوكها خلال الاستحقاقات الكثيرة المقبلة والتي من المفترض ان تضع النقاط على الحروف.