كتبت زيزي اسطفان في “نداء الوطن”: انتهى الاستحقاق الانتخابي وفاز من فاز وخسر من خسر بتعداد الأصوات والحواصل وكسرها، لكن في ميزان الكاريزما لم يكن للأرقام اي وقع فبعض الفائزين لم يستطيعوا اجتياز امتحانها وفشلوا في الوصول الى قلوب الناخبين فيما بعض الخاسرين تركوا تأثيراً إيجابياً وإن لم يتجل في عدد الأصوات وحجزوا مكان له في قلوب الناس. في رأي الناخبين كما في رأي خبراء التواصل بعضهم «مهضوم» قريب من القلب ومقنع حتى بطروحات عشوائية وبعضهم سمج «ثقيل الدم» فُرض على الناخبين فرضاً.
لا شك أن الانتخابات الأخيرة لم تكن كسابقاتها بالنسبة لكثرة الوجوه الجديدة التي ترشحت، وهؤلاء كانت مسؤوليتهم أكبر من القدامى المعروفين حلةً ونسباً وانجازات وإخفاقات، والحمل عليهم مزدوج وثقيل: أن يسحروا الناخبين ليصوتوا للائحة أولاً ولهم ثانياً. من سبقهم بات متمرساً باللعبة يعرف نقاط ضعفه ومشاكله لا بل بات يخجل، خاصة إن كان من أحزاب السلطة، من الإطلالات الإعلامية المكثفة وترك الإعلانات الانتخابية للجدد والمعارضة. هؤلاء نجح بعضهم في تقديم نفسه للناس بطريقة واثقة فيما بعضهم الآخر لم يوفق بذلك.
الخبرة والتعاطف سر الكاريزما
الاختصاصي في التواصل والاستاذ الجامعي نضال نصرالله يعطي للكاريزما تعريفاً شاملاً فيقول إن العقل حين يرى صورة شخص ما لا سيما في مركز مسؤولية يسأل نفسه على الفور إن كان هذا الشخص خبيراً ومتمرساً في ما يقوم به وإذا كان متعاطفاً مع من يسمعه اي قادراً على إشعار هذا الأخير بأهميته. والشخص الذي يملك حضوراً هو من يجمع التمرس والتعاطف. بعض المرشحين مثل مارك ضو يملكون مقومات التواصل لكن الناس يسألون أين خبرتهم هل هم حقاً فاهمون للعبة السياسية، فيما لا يمكنهم قول ذلك عن سامي الجميل الذي يملك خبرة سياسية طويلة. الكاريزما تتجلى في عدد من المظاهر أبرزها لغة الجسد التي يجب أن تكون دائماً منفتحة باتجاه الآخر تبرز الثقة وليس الضعف والانطواء ومن كان لديه حضور غالباً ما نراه يحتل مساحة أوسع من خلال لغة جسده وهذا ما نراه عند الرئيس بري الذي يضع دائماً يده على الكرسي أمامه او الى جانبه ويوسع مساحته ليقول إنني أملك هذا المكان. حتى حدبة الظهر يمكنها أن تكون مثالاً على التعاطف اي أن المرشح يحمل هموم الناس من هنا نرى بعضهم يميلون الى الأمام وهم على الشاشة و كأن ثقلاً فوق أكتافهم.
ومن مقومات الكاريزما إضافة الى مهارات التواصل، معرفة ماذا يريد الناس وما هي مشاكلهم وماذا يمكن أن نعطيهم وكيف نساعدهم. وهنا كان خطأ الكثير من المرشحين حيث أنهم لم يتطلعوا الى ما يريده الناس ويحتاجونه بل ركزوا على ما يريدون قوله وإيصاله. يقول أفلاطون إن فن الخطابة يحتاج الى ثلاثة عناصرهي المشاعر، المنطق والصورة، بعض المرشحين امتلكوا هذه العناصر الثلاثة واستطاعوا الوصول الى الناس في خطابهم. بولا يعقوبيان مثلاً يقول نصرالله تملك قدرات التواصل لأنها إعلامية سابقة وبعد اربع سنوات اكتسبت القدرة على أخذ الإجابة مثلاً الى مكان آخر واكتسبت لغة الجسد وبراعة خطابية أعطتها القدرة على جعل الناس يصغون إليها. فيما ميشال المر الذي لا يملك خبرة وخلفية سياسية بعد لم يستطع الوصول الى الناس لأنه غير متقن للعبة التملق والتهرب وصراحته قاسية فيما الناس يفضلون من يتكلم بطلاقة ويركزون على ذلك أكثر من المضمون. الأمر ذاته بالنسبة لسنتيا زرازير مثلاً التي يمكن أن تشكل حالة في البرلمان لا سيما أنها لقيت تعاطفاً عند الفئة الشابة من 15 الى 25 بأسلوبها الطبيعي فيما شكلت صدمة عند الجيل الأكبر المعتاد على شكل تقليدي للمرشح.
هل ورثوا كاريزما آبائهم؟
الورثة السياسيون كانوا كثراً في هذه الانتخابات ورثوا المقعد عن أهلهم ربما لكنهم لم يرثوا الكاريزما ذاتها، بعضهم أضافوا إليها والبعض الآخر لم يصل الى مستوى كاريزما الآباء. من آراء الخبراء استخلصنا التالي: نديم الجميل لم يتفوق على والده الشيخ بشير الذي يعتبر ايقونة من أيقونات الكاريزما وإن كان يتمتع بقبول وتعاطف من الناس ولا تيمور جنبلاط استطاع ذلك وكأنه غير مقتنع بعد بدوره السياسي. سامي الجميل تفوق على والده مع أن صوته لا يسعفه، اما طوني فرنجية فقد تخطى والده باتقانه لعبة الظهور الإعلامي والسلاسة في الكلام وكذلك مجد حرب الذي استطاع ان يجتذب اهتمام الجمهور الذي وجد فيه كاريزما تفوق والده والأمر ذاته مع سامي فتفت الذي حصد رضى الجمهور وإعجابه لوسامته وطلاقته فيما عجز ميشال المر عن ذلك ولم يستطع تقديم صورة جدية واثقة.