تكاد معظم التحليلات والقراءات لمجريات أولى جلسات البرلمان، التي أفضت إلى انتخاب هيئة مكتب مجلس النواب، عبر تكريس أكثرية “متحركة” يقودها “حزب الله”، تتقاطع عند “التركيز” على نواب “التغيير”، الذين تعرّضوا في اليومين الماضيين لحملات من كلّ حدب وصوب، على خلفية السلوك والأداء، وبينهما “الانسجام مع الذات”، إن جاز التعبير.
ثمّة من رأى أنّ النواب “التغييريين” اهتمّوا بالشكل على حساب المضمون، من دخولهم “الاستعراضي” إلى ساحة النجمة، وصولاً إلى مواقفهم “المشاكسة” خلال الجلسة، مرورًا بنوع من “الشغب” الذي مارسه بعضهم، وثمّة من رأى في المقابل أنّهم “سقطوا” في ما وُصِف بـ”امتحانه الأول”، بعدما عجزوا عن إيصال أيّ مرشح إلى عضوية هيئة مكتب المجلس.
أما “السقطة الأكبر”، وفق ما يرى البعض، فكانت في خوضهم “معركة خاسرة”، من خلال “تبنّي” مرشح بعض الأحزاب التي يشملونها في شعارهم الشهير “كلن يعني كلن”، أي “الحزب التقدمي الاشتراكي” وحزب “القوات اللبنانية”، إضافة إلى حزب “الكتائب”، ما طرح تساؤلات حول ما إذا كانوا قد “انجرّوا” إلى “لعبة المحاور”، ما قد ينزع عنهم صفة “الحياد”.
“تكتيك غير موفق”؟!
يعتقد كثيرون أنه كان “الأجدى” بنواب “التغيير”، لو أرادوا فعلاً خوض “المعركة” على موقع “نائب الرئيس”، أو لمجرد “تسجيل موقف”، أن يرشّحوا أحدهم للمنصب، بدل أن يتبنّوا “ترشيح” أحزاب تقليدية، بمعزل عن هوية المرشح، علمًا أنّ تبنّي هذه الأحزاب “مرشح التغيير”، لو حصل، يبقى أفضل بكثير من تبنّيهم هم لمرشح مجموعات يقولون إنّهم يعارضونها، ويضعونها في سلّة واحدة، مع سائر القوى، وتحديدًا “حزب الله” وحلفائه.
صحيح أنّ نواب “التغيير” برّروا موقفهم بالقول إنّهم اقترعوا بأوراق بيضاء في الدورات الأولى، ليميلوا لتأييد المرشح غسان سكاف في الدورة الثانية، في محاولة لـ”التأثير” على النتائج، وقال بعضهم إنّ الخيار جاء نزولاً عند رغبة الأغلبية، وباعتبار أن سكاف الذي يصوّر نفسه مستقلاً “أقرب” إلى توجّهاتهم، إلا أنّ هذا “التبرير” لم يقنِع الكثيرين، بدليل أنّ “الانتقادات” جاءت من مؤيّديهم في المجتمع المدني قبل خصومهم.
لا يعني ذلك أنّ كلّ الانتقادات التي وُجّهت لنواب “التغيير” كانت في مكانها، إذ رُصِد الكثير من “التجنّي” على خطّها، وكأنّ بعض القوى حكمت عليهم مسبقًا، علمًا أنّ القول إنّ “انسحاب” المرشح فراس حمدان من “المعركة” على أمانة السر جاء “كرمى لعيون” مرشح “الاشتراكي” لم يبدُ منطقيًا، لأنّه لم يكن “مجبَرًا” على الترشح من الأساس، إلا أنّ الشكل “الطائفي” الذي ارتدته عملية التصويت بطريقة غير مسبوقة، استوجبت مثل هذا الموقف.
انقسامات وخلافات
لكن، أبعد من الانتقادات، بدأ الكثير من “الهمس” عن انقسامات وخلافات بدأت تعصف بين “التغييريين” انعكست في أولى جلسات مجلس النواب، ولو أنّهم حاولوا “حجبها” من خلال الصورة “الموحّدة” التي أظهروها، وقد يكون خير دليل على ذلك أنّ تكتّلهم “الموعود” لم يبصر النور بعد، فضلاً عن حديث بعضهم صراحةً عن “تباين” سبق الجلسة لجهة التصويت لسكاف لمنصب نائب الرئيس من عدمه.
ويقول بعض العارفين إنّ نواب “التغيير”، ولو سعوا إلى الانتظام ضمن تكتل واحد، لا يمكن النظر إليهم على أنهم “مجموعة واحدة”، حيث أصبح واضحًا أنّ هناك اختلافًا “شاسعًا” في المقاربات بين بعضهم، حيث يسعى بعضهم إلى “التشبيك” مع بعض القوى التقليدية، بعنوان “البراغماتية والواقعية”، فيما يرفض بعضهم الآخر أيّ توجّه من هذا النوع، باعتبار أنّه سيكون “خيانة” للرأي العام، الذي انتخبهم على أساس معارضتهم لكل “المنظومة”.
ومع أنّ الفريقَين يتّفقان على أنّ “التقاطع” مع بعض المجموعات السياسية التقليدية قد يتمّ عند نقاش بعض القوانين والتشريعات، لأنّ وجودهم في المجلس لا يفترض أن يكون شكليًا، بل عليهم أن يسعوا لإحداث “التغيير” جديًا، إلا أنّهما يختلفان على “التموضع الكبير”، خصوصًا في معارك “انتخابية” كالتي جرت الثلاثاء، علمًا أنّ هناك بين “التغييريين” أنفسهم من يتهم زملاء له بفتح “القنوات” مع بعض القوى الأخرى، ولا سيما “القوات اللبنانية”.
منذ وصول نواب “التغيير” إلى البرلمان، كان واضحًا أنّ “العين مسلّطة” عليهم، وكان واضحًا أكثر أنّ بعض المجموعات تريد “اجتذابهم” إلى صفّها، بل إنّها “تسرّعت” في تصنيفهم ضمن “أكثرية” بلورتها بنفسها. لكنّ “التحدي الأكبر” على نواب “التغيير”، بات تأكيد “وحدتهم”، بعدما بدا أنّ تحالفهم “اهتزّ” قبل أن يولد تكتّلهم الموعود بشكل رسمي حتى!