اكتمل عقد المجلس النيابي،فانتُخب رئيس المجلس ونائبه وامينا السر والمفوّضون الثلاثة،على ان يتم يوم الثلاثاء إنتخاب رؤساء اللجان النيابية ومقرريها، ليبدأ العد العكسي المتصل باستحقاق تكليف رئيس للحكومة تمهيدا لعملية التأليف.
ووفقا للدستور، وعطفا على احكام البنـد /2/ من المـادة /53/ من الدستور، يُجـري رئيس الجمهوريـة الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلّف بتشكيـل الحكومة الجديدة كذلك تنص الفقرة 4 من المادة نفسها على أنّ مرسوم تأليف الحكومة يصدر عن رئيس البلاد بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء. ولا مهلة على الإطلاق، لا للاستشارات ولا للتأليف.وأمس اودعت الامانة العامة لمجلس النواب المديرية العامة لرئاسة الجمهورية لائحة باسماء النواب بحسب الكتل النيابية والنواب المستقلين، في خطوة يفترض ان تعقبها دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الى الاستشارات في قصر بعبدا لتكليف رئيس للحكومة، الا ان الاستشارات التي لم يحدد موعدها بعد، مع ترجيح اوساط سياسية انها ستبدأ الاسبوع المقبل، دونها عقبات التفاهم السياسي الذي لطالما شكل الحكم في كل الاستحقاقات، علما ان رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي نبيه بري اتفقا يوم الثلاثاء الماضي على المضي سريعا في الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة من اجل تأليف حكومة.
لا شك ان التعقيدات تحكم مسار التكليف نظرا للتكتلات النيابية الجديدة والتي لا يسودها التوافق ،فمشهدية الـ 65 صوتا( من حزب الله، حركة أمل التيار الوطني الحر، والنائب طوني فرنجية ومستقلين) لنائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب لا يمكن تطبيقها على اسم الرئيس المكلف، في ظل التباين الحاصل بين المكوّنات السياسية التي اوصلت بو صعب حول الملف الحكومي .وبالتالي فإن الصورة لا تزال غامضة تجاه التسميات طالما ان التفاهمات لم تتبلور عند جبهة حزب الله وحلفائه من جهة، وجبهة المعارضة وجبهة المستقلين والتغييريين من جهة اخرى. في العلن لم يرشح حزب الله اي شخصية سنّية لرئاسة الحكومة، الا انه في الوقت نفسه يرغب بعودة الرئيس نجيب ميقاتي الى السراي الحكومي، مبينا ان حكومة “معا للانقاذ” نجحت الى حد كبير داخليا، والاهم انها تحظى بدعم غربي لا سيما فرنسي، فضلا عن ان ميقاتي تربطه علاقات جيدة مع معظم القوى السياسية الاساسية، بيد ان المشكلة التي قد تواجه حزب الله اليوم في عملية التكليف والتأليف تتمثل بموقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من الرئيس ميقاتي، وبالتالي مدى نجاحه في تجاوز قطوع المعارضة الباسيلية لعودة ميقاتي والذي تصفه اوساط مقربة من حزب الله ببالونات اختبار سياسية ليست حارقة، خاصة وان باسيل لا يتمتع بالثقل داخل البرلمان من خارج حلفائه، فضلا عن ان قوى التغيير والمستقلّين لا يجارونه في طرحه لحكومة سياسية ولبعض الاسماء التي يحاول التسويق لها، وبالتالي فان ميقاتي قد يعاد تكليفه من دون الاصوات الباسيلية كما حصل عند تكليفه لتاليف حكومة “معا للانقاذ”.
حتى الساعة لا تبدو الامور ذاهبة نحو الحلحلة. فباسيل وانطلاقا من مفهومه للتعاون داخل مجلس الوزراء، يعتبر ان ميقاتي لم يتعاون مع التيار الوطني الحر وان التجربة معه غير مشجعة. وبحسب المصادر نفسها فإن طبيعة التعاون بالنسبة لنائب البترون كانت ولا تزال تتمثل بـ تمرير ملف التشكيلات القضائية والتعيينات لا سيما المتصلة بحاكم مصرف لبنان وقائد الجيش ورئيس مجلس الققضاء الاعلى، مرورا بملف الكهرباء وتحديدا ما يتصل بالموافقة على انشاء معمل سلعاتا، وصولا الى طرحه اليوم لحكومة سياسية ويكون وزيرا فيها باعتباره ان الانتخابات النيابية أفرزت واقعا جديدا يجب ان يؤخد بالحسبان، فضلا عن ان ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تنتهي نهاية تشرين الاول المقبل وهو الامر الذي يفرض الذهاب الى تأليف حكومة سياسية. المعركة الحكومية فتحت على مصراعيها داخل البيت السياسي الواحد( حزب الله والتيار الوطني الحر) وبين حزب الله من جهة وقوى التغيير واحزاب المعارضة من جهة اخرى. فطرح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذهاب الى حكومة وحدة وطنية مرده ضرورة تحمل كل القوى السياسية (في اشارة على وجه الخصوص الى حزب القوات الذي يجب ان يشارك في الحكومة) مسؤولياتها في ايجاد الحلول للازمات بعيدا عن الشعبوية في المواقف والاطلالات الاعلامية، غير ان رئيس حزب القوات سمير جعجع ابدى رفضه تكليف أي شخص متحالف مع حزب الله لمنصب رئاسة الحكومة، مضيفا “إذا حكومة مثل العادة مع الكل أكيد ما منوافق وما منشارك”. اما على خط مقاربة قوى التغيير فان الامور ليست افضل حالا، فطروحاتها لا تنسجم على الاطلاق مع رؤية حزب الله التي يرى فيها دسّا للسم، فحكومة بصلاحيات استثنائية لا تعني سوى تجاوز السلطة التشريعية وتهميش البرلمان وتجاوز الدستور.الترقب سيد الموقف لتحديد رئيس الجمهورية موعد الاستشارات وما الذي ستؤول اليه الاتصالات. تنسيق قوى التغيير يبدو هشا في موضوع تسمية رئيس مكلف لتاليف الحكومة. فالتكتيك السياسي غائب عن اتصالات حزب القوات وحزب الكتائب مع قوى التغيير والمستقلين، ربطا بفشل القوات في قيادة المعارضة، وهذا يعني ان مشهد سقوط ” التغيير” في المجلس النيابي قد يتكرر في الملف الحكومي، طالما ان التغييريين لم يتفقوا في ما بينهم على برنامج موحد ولم يتوصلوا الى تفاهمات، ولو انية ،مع القوى المعارضة، ليبقى الاكيد ان بورصة الاسماء المطروحة لرئاسة الحكومة لم تتبلور بعد.وبحسب بعض المعلومات فإن السعودية تراجعت عن احتمال تزكية النائب عبد الرحمن البزري عند حلفائها، وبالتالي يبقى الرئيس ميقاتي هو الافر حظا لرئاسة الحكومة بدعم فرنسي وتقبل اميركي له وعدم معارضة اوروبية واقليمية وعربية لانه الوحيد القادر على استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي . لكن اعادة تكليفه قد لا تكون مقرونة بنجاحه في تأليف حكومة اذا استمرت الشروط والشروط المضادة التي بدأ التيار الوطني الحر بتسويقها، وهذا يعني انه سيكلف وفي الوقت نفسه سيصرّف اعمال من السراي الحكومي لتستمر معه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى إتفاق نهائي.