أقيم في الباحة الخارجية لدير الصليب – جل الديب – بقنايا، قداس احتفالي مهيب جرى خلاله الإعلان عن تطويب المكرمين الشهيدين الأبوين ليونار عويس ملكي وتوما صالح الكبوشيين من بلدة بعبدات المتنية، بحضور رئيس الجمهورية ممثلا بوزير السياحة في حكومة تصريف الاعمال وليد نصار، رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلا بالنائب هاغوب بقرادونيان ، رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ممثلا بوزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الاعمال جورج كلاس.
كما حضر اللواء الركن المتقاعد جورج شريم ممثلا وزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون، النائب الياس حنكش ممثلا رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل ، النائب رازي الحاج ، الرائد رنا عصفور ممثلة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، النائب السابق غسان مخيبر، وشخصيات سياسية ورسمية وحزبية وروحية وحشد من المؤمنين من مختلف المناطق اللبنانية.
واحتفل بالذبيحة الإلهية ممثل البابا فرنسيس رئيس مجمع دعاوى القديسين الكاردينال مارتشيلو سيميرارو، بمشاركة السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتيري، الرئيس العام للرهبنة الكبوشية في العالم روبرتو جنوين، النائب الرسولي لطائفة اللاتين المطران سيزار اسايان، الأمين العام لمجمع الأساقفة الكاردينال ماريو غريك، وبحضور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك السريان الكاثوليك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان، وممثلين عن رؤساء الطوائف المسيحية، ولفيف من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات للرهبانيات والكهنة والرهبان والراهبات، وحشد من المؤمنين من مختلف المناطق اللبنانية. وخدمت القداس جوقة سيدة اللويزة بقيادة الأب خليل رحمة
وارتفعت في باحة دير الصليب وعلى الطرقات المؤدية إليه صور المكرمين والأعلام البابوية واللبنانية واللافتات التي حملت عبارات التهنئة والإيمان.
الرسالة الرسولية
وفي بداية القداس تلا النائب الرسولي لطائفة اللاتين المطران سيزار إسايان الرسالة الرسولية التي تضمنت مرسوم إعلان التطويب الذي وقعه البابا فرنسيس في 18 نيسان الفائت وجاء فيها: “نحن، تلبية لرغبة أخينا سيزار إسايان أسقف ماريوتس الفخري، النائب الرسولي على بيروت وإخوة كثيرين والعديد من المؤمنين، بعد أخذ مشورة مجمع دعاوى القديسين، بسلطتنا الرسولية، نسلم أن خادمي الله الكريمين ليونار ملكي وتوما صالح، الشهيدين، الكاهنين المعترف بهما من رهبنة الإخوة الأصاغر الكبوشيين، الرسولين البطلين لإنجيل يسوع حتى سفك دمائهما، أن يدعيا من الآن وصاعدا طوباويين، على أن يحتفل بعيدهما في الأماكن ووفقا للقواعد التي يحددها القانون، في العاشر من حزيران من كل عام”.نبذة عن حياة الطوباويينوتلا المكلف من الرهبنة الكبوشية في دوائر الفاتيكان ملاحقة دعاوى القديسين، الراهب الكبوشي كارلو كالوني باللغة الفرنسية، ونائبه الراهب الكبوشي طوني حداد باللغة العربية، نبذة عن حياة الطوباويين ملكي وصالح، لترفع بعدها الستارة عن الصورتين اللتين اعتمدتهما الكنيسة لهما على وقع التصفيق.سيميرارووبعد تلاوة الإنجيل المقدس ألقى الكاردينال سيميرارو عظة بعنوان: “طلب العدالة للفقراء والضعفاء هذه هي القداسة” قال فيها: “إن عطش أحد فليقبل إلي” (يو 7 ، 37). هذه هي الكلمات الأولى ليسوع التي سمعناها للتو معلن عنها في الإنجيل المقدس، وهي بالفعل كافية لتلمسنا وتعزينا. قال: “ليقبل إلي”، ولكن لمن يقول ذلك؟ لمن هم الأفضل؟ لمن هم بلا خطيئة؟ لأولئك الذين هم على وئام مع القانون، حتى الكنسي، وفي نهاية المطاف مع شريعة الله؟ لا ! يسوع يقول ببساطة: من هو عطشان! لهذا هو يتوجه!”أضاف: “إن الشعور بالعطش يعني أمورا كثيرة. يتحدث الإنجيل، على سبيل المثال، عن “العطش إلى العدالة” وهذا هو العطش الذي يشعر به الإنسان دائما. حتى اليوم وفي أجزاء كثيرة من العالم ، يجرح الظلم الإنسانية ويسبب معاناة شديدة. في التطويبات، يسوع يمدح هذا العطش، ولكن – كما يشرح البابا فرنسيس – من الضروري أن نفهم أن العدالة التي يتحدث عنها تبدأ في أن تصبح حقيقة في حياة كل شخص عندما يكون المرء عادلا في قراراته ، ثم تتجلى عندما يسعى المرء لتحقيق العدالة للفقراء والضعفاء وهذه هي القداسة.وتابع: “ولكن في لغتنا البشرية، تعبر كلمة عطش عن أمر آخر. تعبر على سبيل المثال، عن الرغبة. لقد ولدنا جميعا من رغبة: رغبة الله بالتأكيد، وهذا هو سبب امتلاء كل منا بالرغبات وفي جميعها تعبير عن تاريخنا: أفراح وآلام، نجاحات وإخفاقات، آمال وخيبات أمل. ما زلنا بحاجة إلى تمييزها، هذه الرغبات، لأن لا أحد منا يتمتع بالشفافية الكافية لنفسه ليعرف أين يتمركز قلبه”.وقال: “هذا ما يدعو إليه يسوع: تعال إلي! يعلق القديس توما الأكويني: يقول ذلك في impletione desideriorum، أي لتحقيق كل رغبة جيدة. لمساعدتنا على فهم كل هذا، يوضح الإنجيلي أن يسوع كان يتكلم عن الروح. لذلك في هذا السياق، هذا المساء، نريد أيضا أن نفكر في شخصية الراهبين الكبوشيين اللبنانيين، الأب ليونارد ملكي والأب توماس صالح الذين طوبا للتو كشهيدين”.وسأل: “من هم الشهداء؟ للإجابة على هذا السؤال، اعتبر القديس أمبروسيوس أنه في كل مرة تعلن فيها الكنيسة موت مخلصها (وهذا ما نفعله عندما نحتفل بالقربان المقدس)، فإنها تتلقى جرحا من الحب. ثم أوضح: “لا يستطيع كل شخص أن يقول إنه جرح من هذا الحب، ولكن يمكن للشهداء أن يقولوا ذلك، أولئك الذين جرحوا بسبب المسيح، وبالتحديد لأنهم جرحوا من أجل اسمه ، فإنهم يحبونه أكثر. لنتأمل، إذن، الحياة الأرضية لطوباويينا”.وقال: ” بشريا إنهم ضحايا. ضحايا موجة كراهية اجتاحت بشكل متكرر نهاية الإمبراطورية العثمانية واختلطت بالأحداث المأساوية لاضطهاد الشعب الأرمني بأكمله وضد العقيدة المسيحية. في الواقع، عندما اختار طوباويانا الإنطلاق في الرسالة، كان ذلك بالتحديد في تلك السنوات. سمعنا في بداية الليتورجية رواية الأحداث التي أدت إلى استشهادهما. لذلك سأوجزها باختصار. في كانون الأول 1914، بينما كان جميع الكبوشيين الآخرين يبحثون عن ملجأ في أماكن أكثر أمانا، اختار الطوباوي ليونارد البقاء في دير ماردين لمواصلة رعاية أحد الإخوة من كبار السن. في الخامس من حزيران عام 1915 تم إيقاف طوباوينا وتعرض بعد ذلك للعنف والتعذيب حتى قتل مع رفاقه بالحجارة ثم الخناجر والسيوف المعقوفة. استقبل الطوباوي توماس في كانون الأول 1914 مع أصدقاء آخرين في دير أورفا. تم سجنه مع زملائه الآخرين، واحتجز في زنزانات مختلفة وخضع لعدة مسيرات موت والتعذيب الرهيب بهدف إجباره على الإرتداد عن المسيحية. على الرغم من ذلك، فإن ذكرى هدوئه وقوته تتردد في الكنيسة اللبنانية”.وأردف: “إذا كانوا ضحايا من منظور إنساني، كما أشرت، فمن منظور الإيمان المسيحي هم منتصرون. ولكن ما هي “القوة” التي نحن نتحدث عنها؟ بالتأكيد ليس عن إرادة القوة التي تتحكم بغرائز المراوغة والسيطرة ، والتي نشهدها بألم شديد على المستوى الشخصي وعلى مستوى الجماعات وعلى المستوى الاجتماعي.لا ! بل إننا نتحدث عن موهبة القوة الروحية التي هي في العقيدة الكاثوليكية الفضيلة الأساسية الثالثة، أي إحدى الفضائل التي تشكل أسس الحياة الفاضلة. لا يتعلق الأمر إذن بتوظيف قوة العضلات، بل بالأحرى الشغف بالحقيقة والمحبة للخير حتى التخلي عن النفس والتضحية بالحياة. إن هدف الكنيسة أيضا هو الشهادة لهذه القوة”.وتابع: “كتب بنديكتوس السادس عشر، البابا الفخري، في الرسالة العامة، أنه في اختبارات الحياة الصعبة حقا ، لا سيما عندما يتعين علينا اتخاذ القرار النهائي في جعل الحقيقة تأتي قبل الرفاهية، والوظيفة، والملكية، “نحتاج إلى شهود، الى شهداء، قدموا أنفسهم بالكامل حتى يظهروا لنا ذلك – يوما بعد يوم. نحن بحاجة إلى ذلك للتفضيل، حتى في الاختيارات الصغيرة للحياة اليومية، من الجيد إلى الملائم – عالمين أننا هكذا بالضبط نعيش حياتنا حقا”.وقال: “وهناك سؤال آخر: من يعطي الشهيد الجرأة ليكون شاهدا؟ هو الروح القدس هو الذي يعطي الشجاعة. هذا هو الجواب. سمعناه من بولس الرسول: “الروح يعيننا في ضعفنا”. يخبرنا الآباء القدامى أن الشهداء مثل الرياضيين، الذين تحرروا من الملابس التي تعيق السباق، والذين اشتعلوا بالروح القدس (Spriritu sancto ferventes) ركضوا في الملعب ليفوزوا بإكليل الفوز”.وختم: “دعونا إذن نصلي بهذه الكلمات المستعارة من القديس غريغوريوس الناريكي: “الشهداء المباركون الذين تكملوا بآلامهم، يرقصون الآن بسعادة في عيد لا نهاية له. بشفاعتهم وصلواتهم التي تحسن لعينيك لأنها مشوبة بتقدمة دمهم ، اقبلنا أيضا يا رب، وأبقينا مرتبطين بك بشدة، حتى نبلغ الخلاص الأبدي. آمين”.كلمة شكرواختتم القداس بكلمة للرئيس العام لرهبنة الاصاغر الكبوشية عبدالله النفيلي، شكر فيها كل من حضر وشارك وعمل لإنجاح قداس التطويب.