فيما كانت كلّ الأنظار مشدودة نحو الاستحقاقات السياسية المُنتظَرة، من جلسة انتخاب اللجان النيابية المرتقبة غدًا الثلاثاء، في ظلّ ملامح “معركة” بين بعض الكتل والنواب، وصولاً إلى الاستشارات المنتظرة لتسمية رئيس حكومة جديد، وسط “سيناريوهات” تغلب عليها الضبابية حتى الآن، قفز ملفّ ترسيم الحدود البحرية إلى الواجهة من جديد، على وقع “استفزازات” إسرائيليّة غير محسوبة، ومحاولات لفرض “أمر واقع” على حساب حقوق لبنان.
فبصورة مفاجئة، ومن دون سابق إنذار، دخلت السفينة الألمانية “إينرجين باور” المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل في الحدود البحرية الجنوبية، حيث وصلت وفقًا للمعلومات الصحافية، إلى حقل “كاريش” الأمر الذي يسمح للإسرائيليين باستخراج الغاز خلال 3 أشهر، علمًا أنّ هناك مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل منذ العام 2020 برعاية الولايات المتحدة والأمم المتحدة، لتسوية هذا الملف، ولو أنّها “مجمّدة” منذ أشهر على وقع الخلاف.
وقد أدّت الخطوة الإسرائيلية “غير المحسوبة”، والتي من شأنها الإطاحة بكلّ مسار المفاوضات، إلى “استنفار” لبناني غير مسبوق، حيث أجمع المسؤولون على رفض “الاستفزازات” الإسرائيلية، التي تبدو أقرب إلى “افتعال” معركة، عبر محاولة فرض “أمر واقع” لا يمكن لأحد في لبنان أن يقبله، في ظلّ علامات استفهام تُطرَح حول مآلات الصراع واحتمالات تفاقمه، خصوصًا أنّ إسرائيل التزمت بـ”الصمت” على المستوى الرسمي.
اتهامات متبادلة
رغم الإجماع اللبناني على رفض الاعتداءات الإسرائيلية على ثروات لبنان المائية والنفطية، وعلى وجوب التصدّي لها بكلّ الوسائل المُتاحة، وهو ما تجلّى في المواقف الرسمية، وأبرزها من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي دعا الأمم المتحدة وجميع المعنيين إلى “تدارك” الوضع وإلزام العدو الإسرائيلي بوقف استفزازاته، إلا أنّ ما كان لافتًا تمثّل في انضمام هذا الملف إلى قائمة “السجالات” في الداخل اللبناني.
في هذا السياق، سُجّل على خطّ الأزمة، وفي ذروتها إن جاز التعبير، تسجيل النقاط وتبادل الاتهامات بين مختلف الأفرقاء، استنادًا إلى أنّ الوفد اللبناني الرسمي قدم خلال المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل خريطة جديدة تدفع باتجاه 1430 كيلومترًا إضافيًا للبنان، وتشير إلى أن المساحة المتنازع عليها هي 2290 كيلومترًا، إلا أنّ رئيس الجمهورية لم يترجم ذلك حتى الآن بالتوقيع على مرسوم تعديل المرسوم 6433، المجمّد منذ أشهر طويلة.
وفيما حمّل كثيرون رئيس الجمهورية المسؤولية، باعتبار أنّ إسرائيل “استغلّت” تجميد المرسوم المذكور، الذي كان من شأنه “إلزامها” بوقف أيّ عمليات حفر أو توقيع في منطقة متنازع عليها، يستغرب محسوبون على الرئيس مثل هذه “الخفّة” في التعاطي مع قضية إستراتيجية ووطنية بهذا الحجم، لافتين إلى أنّ هذه الحجّة “باطلة”، طالما أنّ لبنان أكد في رسالة جرى تعميمها في شباط على كل أعضاء مجلس الأمن أن حقل “كاريش” يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها.
أين “حزب الله”؟
في غضون ذلك، طُرِحت الكثير من علامات الاستفهام حول موقف “حزب الله” من التطورات الحاصلة، وحول ردّ الفعل الذي قد يلجأ إليه، ولا سيما أنّ أمينه العام السيد حسن نصر الله كان قد حذّر مرارًا وتكرارًا من أيّ “مسّ” بحقوق لبنان المائية والنفطية، وهو ما كرّره في خطابه الشهير عشيّة الانتخابات النيابية الأخيرة، علمًا أنّ هناك من حذّر من “مواجهة” قد تدفع باتجاهها الخطوة الإسرائيلية غير المحسوبة، خصوصًا إذا ما قرّر الحزب الردّ.
ويقول عارفون إنّ “حزب الله” يكتفي في الوقت الحاليّ بمراقبة الوضع، لكن على طريقة من “يده على الزناد”، بمعنى أنّه متأهّب وجاهز لكلّ السيناريوهات والخيارات والاحتمالات، وهو “جاهز” للدفاع عن الحقوق اللبنانية السيادية، لكنه يعتبر أنّ “الكرة” لا تزال في ملعب الدولة اللبنانية التي يقع على عاتقها اليوم، ومن دون تأخير، تحديد الحدود البحرية الرسمية بكلّ دقة، وبشكل واضح لا يحتمل اللبس، ليُبنى بنتيجة ذلك على الشيء مقتضاه.
وفي وقت يرحّب العارفون بأدبيّات “حزب الله” بالمواقف “السيادية” التي صدرت عن بعض الشخصيات والنواب، وكثير منهم هم من “خصوم” الحزب في السياسة، يستغربون “المزايدات”، خصوصًا أنّ بعض من يرفضون “احتكار” الحزب لقرار الحرب والسلم، وفق توصيفهم، باتوا “يلومونه” لأنّه لم يتحرّك بعد، علمًا أنّه وحده يحدّد “التوقيت المناسب” لأيّ رد، بعيدًا عن تحويل قضية وطنية بهذا الحجم، إلى “فرصة” لتصفية الحسابات هنا أو هناك.
صحيح أنّ هناك مسؤوليات قد تكون “ضائعة” في ملف ترسيم الحدود “العالِق” منذ أشهر طويلة، و”المجمَّد” في الأدراج، والذي ما كان ليخرج منها ربما لولا الاستفزازات الإسرائيلية المستجدّة، إلا أنّ الأكيد أنّ المطلوب اليوم هو الذهاب إلى “مواجهة وطنية”، بعيدًا عن أيّ حسابات سياسيّة أو نكايات شخصيّة، لأنّ “المعركة” أكبر من تفاصيل آنيّة لا تقدّم ولا تؤخّر شيئًا في المعادلة!