الأيام الآتية صعبة جدًّا. وقد تكون من بين الأصعب التي سيواجهها اللبنانيون. وقد تكون المواجهة منفردة من دون أن يحظى لبنان بمساعدة صديق. فالأزمات تتوالد وتتكاثر كالنمل في بيادر القمح.
ولأن ما ينتظره لبنان سيكون فوق قدرة الإحتمال في حال إستمرّ الوضع السياسي على ما هو عليه، فإن من واجب أي مسؤول أن يكون صريحًا مع نفسه أولًا، ومع ناسه ثانيًا، وأن يكون منسجمًا مع قناعاته وما يؤمن به من قيم ومبادىء. فكلمة الحق يجب أن تُقال كما هي، ومن دون محاباة أو لفّ ودوران.
ولأن الوضع بهذه الخطورة لم يعد مقبولًا المسايرة في الأمور الجوهرية. فالأمور يجب أن تُقال كما هي، ولم يعد من الجائز أن يلجأ البعض إلى غشّ الناس وخداعهم بشعارات طنانة وفارغة.
الرئيس نجيب ميقاتي يصارح جميع الذين يراجعونه في شأن ترؤسه لحكومة العهد الأخيرة. إمّا أن يأتي بشروطه، أي بشروط الناس، وليس بشروط غيره وإمّا فتشّوا عن غيره. فالطامحون كثر.
أمّا شروطه فهي بكل تأكيد شروط الناس، الذين يريدون الخروج من هذا النفق، الذي لا أفق له.
الناس الذين يريدون إستعادة أموالهم.
الذين يريدون أن تتفاوض الحكومة العتيدة مع صندوق النقد الدولي بما ييسرّ صعود لبنان من الهاوية.
هؤلاء يريدون أن يروا كهرباء في منازلهم.
يريدون ألا يروا أولادهم مصطّفين طوابير أمام السفارات طلبًا للهجرة.
يريدون أن يأكلوا رغيفًا نظيفًا وبعرق الجبين.
يريدون أن يروا بلدهم عائدًا من غربته.
يريدون أن يعيشوا في أمان وسلام بحمى الجيش والقوى الأمنية وحدها.
يريدون أن يستثمروا في حقول نفطهم وغازهم من دون أن يخضعوا لا لإبتزاز عدّو أو صديق.
يريدون أن تُستعاد كرامتهم فلا يُذَّلون أمام المستشفيات والصيدليات والأفران ومحطات الوقود.
يريدون أن يعيشوا بسلام.
يريدون أن يفرحوا مع الفرحين ويبكوا مع الباكين.
يريدون إستعادة حياتهم الطبيعية.
يريدون ان يعيشوا بحرية وكرامة. يريدون أن يعيشوا كما تعيش كل الشعوب.
هذه هي شروط الناس وهذه هي شروط الرئيس ميقاتي. أمّا ما دون ذلك فلكم الفضاء الرحب، ولكم خياراتكم.
الرئيس ميقاتي قالها ويردّدها كل يوم، وعلى مسامع الجميع: لن يقبل أن يكون رئيساً لحكومة تتولى إدارة الأزمة وتمديد معاناة اللبنانيين وتأجيل الحلول. لن يقبل أن يكون شاهد زور في بلد يقف على حافة الانهيار الشامل. فتحمّل مسؤولية الإنقاذ لا تقع على عاتق شخص واحد أو اشخاص محدّدين ومعدودين على أصابع اليد، بل يستدعي ذلك من الجميع التلاقي لإنقاذه بدلاً من إقحامه في سجالات لا جدوى منها تعيق الجهود لإتمام ما يتوجب على الجميع العمل عليه لإخراج البلد من التأزم غير المسبوق.
لم يعد من الجائز السماح للبعض بتخطّي الخطوط الحمر، أوبالتمادي في تزوير الحقائق . فالخيط الأبيض يجب أن يُبان من الخيط الأسود، وذلك لئلا يظن المتمادون في غيّهم أنهم قادرون على التأثير في خيارات الناس، وهم الذين لم تعد تنطلي عليهم حيل الماضي وما فيه من وعود ذهبت مع الريح، ومع إنتهاء المواسم الإنتخابية.
كثير من اللبنانيين يؤمنون بأنه في نهاية المطاف لا يصحّ إلاّ الصحيح، سواء في موسم الإنتخابات أو في غيرها من المواسم.