متغيرات القوى الطائفية في تشكيل الحكومة

8 يونيو 2022
متغيرات القوى الطائفية في تشكيل الحكومة


كتبت هبام قصيفي في” الاخبار”: جاء فتح ملف الترسيم البحري، في توقيته، وكأنه يقدّم ذريعة مناسبة لعدم التسرّع في ملف الحكومة وترك ملف الترسيم ومندرجاته في عهدة حكومة تصريف الأعمال إلى أن تنضج ظروف تشكيل حكومة جديدة.

والحكومة الموعودة لن تشبه في ظروف تشكيلها ما اعتاد عليه لبنان في المرات السابقة، ولو أنها شكلياً ستشبه حكومة الرئيس تمام سلام التي شكلت قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان لتكون حكومة إدارة الفراغ، بعدما كان واضحاً عدم نضوج ظروف انتخاب رئيس جديد للجمهورية. اختلاف الظروف يكمن في تغيّر مواقع القوى السياسية الطائفية التي تتحكم بتشكيل الحكومة، ما خلا الثنائي الشيعي.
يمارس الثنائي، منذ الدوحة، الأسلوب نفسه، وشروطه لا تزال هي نفسها، لجهة التمسك بوزارة المال وضمناً بالثلث المعطل، وبثلاثية شعب وجيش ومقاومة في البيان الوزاري. ورغم أن قرار الإفراج عن الحكومة ينام دوماً في أدراج الثنائي الذي يخوض مراحل التفاوض الأخيرة، إلا أنه في الشكل يترك اليوم عملية التشكيل عالقة على حبال تسوية لا تزال غير ناضجة.بخلاف الثنائي، تغيّرت أحوال القوى السياسة والطائفية الأخرى. لا تبدو الطائفة السنية اليوم الطرف الأكثر تورطاً في ملف الحكومة. الأسماء التي بدأت تطرح للتأليف لم يكن مصدرها الدوائر السنية، بل إن بعض الأسماء اقترحها التيار الوطني أو النواب التغييريون، أو حتى حلفاء الرئيس سعد الحريري وخصومه.
وبقدر ما يختلّ التوازن داخل البيئة السنية يصبح اختيار الرئيس المكلف أمراً يخرج من يد القوى السنية الرئيسية. من هنا يتجدد طرح الرئيس نجيب ميقاتي الذي بات من دون كتلة نيابية، ومن دون التغطية الواسعة التي أمّنها الرؤساء السابقون الذين أضعفت الانتخابات دورهم. وقد يكون قادراً على استمالة الدائرين في فلك المستقبل، لكنه بات أكثر عرضة لابتزاز التيار الوطني الحر الذي بدأ يروّج لأسماء بديلة عنه. هذا التخبط السني سيكون الأول من نوعه ويشكل امتحاناً للقوى السنية في الخروج من الأزمة السنية الداخلية بتسمية رئيس للحكومة، بعدما شلّعتها الانتخابات.
قد يكون رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الوحيد الذي تحسنت ظروف حضوره الحكومي بعد الانتخابات. ورغم أنه ظل ممثلاً في كل الحكومات، مباشرة أو غير مباشرة، إلا أنه اليوم يرتاح أكثر من أي وقت مضى إلى تفرده في التمثيل الحكومي الذي يشارك فيه بحصّة كاملة من دون أن يضطر إلى ترك مقعد للتسويات الدرزية الداخلية أو للمساومات مع حلفاء مفترضين. واستعادة جنبلاط تفرده الحكومي والنيابي ليست أمراً يمكن تخطيه في قراءة موازين القوى السياسية المحلية، وقراءة خريطة تحالفاته التي لا يزال يتعاطى معها من زاوية تدارك مستقبل الطائفة والتحالفات التي تؤدي غرضها في تأليف الحكومة.
وقراءة التيار لتشكيل الحكومة لا تزال تتم وفق معايير سنوات العهد الأولى لا الأخيرة، بمعنى المتغيرات التي لحقت بالعهد وبالتيار خصوصاً في ضوء الانتخابات ونتائجها. لكن نهاية العهد ترتب عليه كثيراً من المسؤوليات التي يعرف سلفاً أنه إذا فقد أولويته فيها يخسر أوراقه الأخيرة. لا سيما أن حزب الله لا يزال يتصرف معه بما يشبه الحزم في عدم التعامل بثقة زائدة في رفع مستوى مطالبه في تشكيل الحكومة واسم رئيسها. وإذا كانت القوات اللبنانية عزلت نفسها مسبقاً عن الدخول في حكومة وحدة وطنية، متخليّة بذلك عن ترجمة نتائج الانتخابات النيابية في المكان المناسب، بعد فشلها في ترجمة نتائجها النيابية في معركة نيابة رئاسة المجلس وهيئة المكتب، فإن التمثيل المسيحي في الحكومة واختيار رئيسها سيعود مجدداً إلى التيار مع دخول تيار المردة إلى الخط، واحتمال قبول المستقلين التمثل بالحكومة. وهذا الأمر سيضيف هموماً إلى التيار في مقاربة التمثيل المسيحي في نهاية العهد. وإلا سيكون مسيحيو المعارضة أخرجوا أنفسهم من الساحة الحكومية، على افتراض أن المعركة الآتية لرئاسة الجمهورية ستكون هي الاستحقاق الذي يحتاج إلى حضورهم في شكل مباشر لمواجهة قوى 8 آذار.