ما ليس خافياً على أحد ان الإنقسام الداخلي بين الرئاسات الثلاثة عمودي، وما جمعته الإنتخابات النيابية لتأمين وصول نائب من هنا وآخر من هناك تبدد مع ظهور النتائج “وعادت المناكفات لتتظهر على الملفات والإستحقاقات الداخلية. إلى هنا يمكن السكوت والركون إلى صبر أيوب.
لكن أن تنعكس هذه الخلافات على ملفات حساسة جدا تتعلق بمسألة التفاوض حول حدود لبنان البحرية وإضاعة لبنان فرصة حصوله على ثرواته النفطية، هنا لا بد من طرح السؤال التالي: من المستفيد من عدم التنازل عن الكيديات ولماذا يرفض رئيس الجمهورية حشد كل عناصر القوة لتحصين موقف لبنان الرسمي من حقه بالثروة النفطية؟
اللعبة باتت “ع المكشوف”، يقول مصدر مطلع على ملف الترسيم البحري بدءاً من التفريط بالحق اللبناني بالخط 29 وصولا إلى تمديد مهلة التنقيب لشركة توتال الفرنسية.
ومع استفاقة المسؤولين من الغيبوبة السريرية وإعلان وزيرة الطاقة الإسرائيلية في 30 أيار 2022 عن التوقيع في المستقبل القريب على مذكرة تفاهم لتصدير الغاز المستخرج من حقل كاريش إلى أوروبا عبر مصر والتحضير لدورة تراخيص جديدة للتنقيب عن الغاز في مسعى لتعزيز تصدير الغاز إلى أوروبا لم يعد مستبعدا أن يخسر لبنان حقه حتى في الخط الوهمي 23 الذي بات متمسكا به بديلا عن الخط 29 إذ يرجح خبراء أن تضم دورة التراخيص الجديدة البلوك 72 الواقع بمحاذاة الخط 23 …
الموقف الصدمة تمثل بنفض اليد الرئاسي من الخط 29 بحجة أنه خط تفاوضي والعودة لتبني الخط 23 المشكوك بأمره ونشأته، ومن هنا بدأت التنازلات قبل العودة إلى المفاوضات التي توقفت مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
ومع بدء إطلاق يد الإسرائيليين التنقيب في حقل كاريش الواقع في جزء كبير منه في المنطقة المتنازع عليها استفاق المسؤولون من “الغيبوبة” وسارعوا إلى طلب الوسيط الأميركي الذي سيحضر مطلع الأسبوع ليأخذ من لبنان تصريحا خطيا بالتنازلات.
وبدل أن يواجه لبنان الرسمي هذا التحدّي بأفضل الشروط الممكنة، طغت الاعتبارات الضيّقة على حسابات البعض. وفي هذا الإطار يطرح السؤال لماذا لم يدع رئيس الجمهورية رئيسي مجلس النواب وحكومة تصريف الأعمال لبحث الموضوع ووضع خطة المواجهة على أن يستكمل ذلك بخطوة مماثلة من خلال دعوة وزيرالخارجية وقائد الجيش لوضع خطة تحرك لمواجهة اي تطور ربما يحصل بعد انطلاق أعمال التنقيب إضافة إلى المواقف التحذيرية التي تصدر عن قادة الأركان في الجيش الإسرائيلي والتي لا تخلو من التهديد والوعيد إذا ما تجرأ حزب الله إرسال مسيرات كما أعلن أمينه العام حسن نصرالله فوق باخرة إنرجين الراسية إلى شمال الناقورة؟
“في دولة ضعيفة ومتحللة علينا أن نتوقع أكثر من ذلك” يقول العميد المتقاعد وهبي قاطيشه ويؤكد أن التداول في ملف التنقيب عن الثروة النفطية وترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بدأ منذ عشرة أعوام لكن كل عهد أراد أن يقطف ثماره ليسجله انتصارا في عهده .
حتى وصلنا إلى هذا العهد الذي وضع الملف على طاولة المقايضة بين النفط ورفع العقوبات عن صهر العهد أو إيصاله إلى كرسي الرئاسة.فبات خاضعا للتجارة والمقايضة”.
قبل عبور باخرة إنرجين قناة السويس كان المسؤولون في وضع الإنتظار لأنهم راهنوا على قبض ثمن المقايضة .لكن بعدها تبدد غبار الأوهام التي ناموا عليها “وفي وقت تغرق يد لبنان بالنار يضع الأميركيون ومعهم الجانب الإسرائيلي أيديهم في المياه التي سيتدفق منها الغاز والنفط.
حتى من كان يهدد بإصبعه بات في موقع “المفاوض الأضعف” بدليل ما قاله نائب الأمين العام لحزب الله محمد رعد لجهة اختيار شركة للبدء بالتنقيب عن النفط على أن تتكفل المقاومة حمايتها عند البدء بالتنقيب!.كل هذا يؤكد أن الحل المرتقب من زيارة الوسيط الأميركي لن يكون لصالح لبنان بتاتاً”.
وردا على سؤال حول رفض رئيس الجمهورية تجميع القوى لمواجهة التحدي بأفضل شروط ممكنة كشف قاطيشه أن “السبب يتمحور حول الخشية من انكشاف الفضائح والمخططات التي حيكت مع الجانب الأميركي لمقايضة الثروة النفطية برفع العقوبات عن النائب جبران باسيل”.
ويضيف ” بناء على ذلك، فهو يفضل أن يحل المسألة مع الوسيط الأميركي “على السكت” والرضوخ لشروطه وإلا…”وأكد “أن موقف حزب الله لا يمكن تفسيره إلا بأنه جزء من الصفقة أو كونه عاجزا عن القيام بأي عمل عسكري” ونفى إمكانية فتح أي جبهة عسكرية على الحدود “فمن أراد أن يشعل حربا لا يشرع في تشييد الفيللات على الحدود إنما يذهب إلى حفر الخنادق”.