كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن” الحاجة إلى الأدوية وندرتها أمّ «التحايل»، وذلك يتّضح عند الغوص بتفاصيل خلق وظيفة جديدة لقضاء هذه الحاجة. هذه الوظيفة المنتشرة في كل المناطق اللبنانية تهدف إلى جلب الأدوية بـ»شنط» السفر، من تركيا وبعض البلاد «المتفلّتة» من ضوابط الوصفة الطبية، وإعادة بيعها في لبنان بأسعار مضاعفة بالدولار. قابلت «نداء الوطن» تاجرينِ غير شرعيين للأدوية أو مهربَين، أي أنهما ليسا، صيدلياً ولا مستورداً رسمياً للأدوية، متقصّية عن طريقة عمل هذه المجموعات.
هي ليست شركة إذاً ولا جمعية خيرية كما يسوِّقون، إنّما هم أشخاص مدعومون كما عرّف ميسم عن نفسه نافياً تهمة «الخوف». أعضاء هذه المجموعات يسافرون، كل أسبوع، وكل حسب توقيته، ويتاجرون «بالحاجة» المتعاظمة يوماً بعد يوم، مع ندرة الدولار في الأسواق، وانخفاض معدل الثقة بشركات الأدوية التي تحجب الأدوية. ميسم، أشار الى أن هناك «رأساً مدبراً» يدفع نصف ثمن التيكت، مموهاً المعلومة بتفاصيل غير منطقية. تعيد توجيه الحديث، لتسحب منه تفصيلاً ما عن هذا «الشبح»، يمتعض، مكرراً: «لو مش محمي بالدولة، ما بفوت بهيك شي» محاولاً تلقّف زلة اللسان هذه مستعيناً بمرجعية شبكة من الأطباء يستشيرها لإدخال قرابة 300 علبة دواء. يقنع ميسم زبائنه اللبنانيين بـ»شرعية ما»، بإبراز خبرة أطباء يكرّر أسماءهم على مسامعهم كما أخبرنا أحد الزبائن الذي دلّنا عليه، وكان ممنوناً من معاملته بعد أن نقل له عدداً من الادوية بظروف طبية مناسبة كوضع الدواء في برّاد.
لم نكتف بهذه المعلومات، انتقلنا الى جميل (اسم مستعار) من شبكة أخرى في منطقة أخرى، لمقاطعة المعلومات، فكشف لنا أن هناك أشخاصاً في تركيا يستقبلونه ودكاترة في تلك البلاد أيضاً يستشيرهم، ولكن لا يدخل معهم بالعمق، لماذا؟ ليقلص من هامش الربح التركي والخطر! نعم! هناك خطر في تركيا وجميل يداريه، تماماً كما أي شبكة غير شرعية من هذه الشبكات التي تعمل بين سوريا، والعراق، وتركيا. والمخاطر هذه يحدّدها وفق الإجابة على سؤال: سلطة الدولة التركية على ماذا مفروضة؟ إذ هناك بعض الأدوية التي لا تسلّم دون وصفة طبية. بأي أسعار يبيع جميل هذه الأدوية التركية الصنع؟ هناك من يزيد عليه 10 دولارات وقد تصل نسبة الزيادات الى 150 دولاراً عن السعر الأصلي، مستثنياً «إنسانياً» بعض الصيدليات التي تطلب منه بعض الادوية ويبيعها بالسعر نفسه أو وفق سعر وزارة الصحة اللبنانية ما قد يربحه دولاراً او اثنين في بعض الأحيان. ماذا عن الأدوية المصرية؟ يؤكد جميل أن هناك في تلك البلاد تجاراً أيضاً يعرفون بمصائب لبنان، فيبيعون أدوية السرطان بغير سعرها، وهذا لن يوفّي معهم، وكذلك الأمر في الأردن.
الدواء مادة سامة بحسب العضو في المجلس التأديبي في نقابة الصيادلة دكتور باهية فاضل خوري، ويمكن أن ينحرف دوره من الشفاء الى القتل به إن لم يستقدم بطرق طبية. لذا تطلب من المواطنين «الوعي»، والتوقف عن الاستسهال بمخالفة القانون والركض خلف إعلانات فيسبوك الدعائية من أشخاص ليسوا من أبناء المهنة، إذ برأيها إن العمل الإنسانيّ ليس في بال هذا التاجر غير الشرعي، لكنّه يهدف الى الكسب المادي. سائلة عن مصير الهبات للدولة اللبنانية التي يمكن تجييرها لاستيراد الأدوية، بدل تفشي هذه الظاهرة في السوق، إذ إيجاد الأدوية بوفرة في السوق – علماً أن الأدوية الآتية من تركيا غير مقطوعة، كما تؤكد، مع الرقابة المناسبة، وتحديث أسعار المنصة تضبط هذه الشبكات. ومع ذلك، وكل التلاعب في سعر الدولار، ما زال لبنان رخيصاً نسبياً من ناحية أسعار الأدوية. توصي د. فاضل المواطن بأمرين، سؤال الصيدلي عن الجنريك اللبناني البديل لدوائه، بدل التوجه الى تجار غير شرعيين، والثقة برأي هذا الصيدلي او أقله الطلب من الطبيب الخاص إعطاء دواء بديل موجود في لبنان. سلطة نقابة الصيادلة محدودة بالمهنة والمستوصفات، كما يشرح نقيب الصيادلة جو سلوم لـ «نداء الوطن». من لديه قدرة ضبط الشبكات غير الشرعية هي الجهات الأمنية، القضاء، وقد جال سلوم على المعنيين للتوعية حول خطورة مسألة التجار غير الشرعيين، وقد نصح عبر «نداء الوطن» انه إن أرادت الدولة اللبنانية إيقاف التزوير والتهريب يجب تأمين الدواء الى المريض وعدم السماح بحصول أي فراغ لذا يجب إيجاد آلية ثابتة وواضحة لتأمين الدواء في الصيدليات. فهل يأخذ وزير الصحة فراس الأبيض هذا التقرير في الاعتبار؟