بانتظار أن يدعو رئيس الجمهورية ميشال عون رسميًا إلى الاستشارات النيابية الملزمة، لا تزال “الضبابية” تحيط بالمشهد الحكومي المرتقب، بين من يرجّح بقاء الرئيس نجيب ميقاتي في موقعه، لاستكمال ما بدأه على خطّ مسار الإنقاذ، وبين من يطرح أسماء من داخل أو خارج نادي المرشحين المعتاد، ومن يكتفي بطرح مواصفات يريد “إسقاط” الأسماء عليها.
وبالحديث عن المواصفات، يذهب البعض بعيدًا في طروحاتهم، ليطالبوا رئيس الحكومة الذي سيتمّ تكليفه لفترة محدودة وبصلاحيات محدّدة بمعالجة الأزمة الاقتصادية وفق ما هو مفترض، بما عجزت عنها المنظومة على امتداد سنوات طويلة، لجهة منع احتكار قرار الحرب والسلم من أيّ جهة، وحصر الملف الأمني بالجيش ، من دون أيّ مجموعات أخرى.
لكن، بعيدًا عن هذا “الكباش” الذي يبدو أنّه لا يخلو من “المزايدات”، شأنه شأن كل الاستحقاقات، ثمّة من يسأل عن موقع “الأكثرية” من الاستشارات، سواء “أكثرية الـ65” التي انبثقت عن أولى جلسات مجلس النواب، أو “الأكثرية الحقيقية” التي لا ينفكّ رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع يتحدّث عنها، فهل تكون الأخيرة قادرة على فرض “المواجهة”؟
الصراع على “الأكثرية”
عند السؤال عمّا إذا كانت “الأكثرية الجديدة” قادرة على فرض “حكومة مواجهة”، يُستعاد السؤال المفصلي الذي انبثق عن الانتخابات، والذي يبدو أنّه لا يزال بلا إجابة، والمتعلق بالصراع على “الأكثرية”، في ظلّ اعتبار كلّ فريق أنّها “في جيبه”، علمًا أنّ “القواتيين” يقولون إنّهم يشكّلونها مع نواب “التغيير”، فيما أظهرت انتخابات رئيس مجلس النواب، وتحديدًا نائبه، أنّها في مكان آخر، بعد حصول نبيه بري والياس بو صعب على 65 صوتًا من مجموع نواب المجلس.
يقول البعض إنّ “سيناريو” أولى جلسات مجلس النواب قد لا يتكرّر حكوميًا للكثير من الأسباب والاعتبارات، أولها أن “الأكثرية المتحركة” التي انتخبت بري وبو صعب لا تبدو متفقة، حتى الآن، على الأقلّ، على مقاربة موحّدة للاستحقاق الحكوميّ، بدءًا من شكل وتركيبة الحكومة، وصولاً إلى تسمية رئيسها، علمًا أنّ الأنظار تتّجه أيضًا إلى موقف كتلة “اللقاء الديمقراطي” التي انتخبت بري، والتي يُقال إنّها تشكّل “بيضة القبان” في المجلس الجديد.
في المقابل، لا يبدو أنّ “الأكثرية” التي يصرّ رئيس حزب “القوات” على الحديث عنها بوصفها “الأكثرية الحقيقية” في البرلمان، تستند إلى أساس “ثابت”، ليس فقط لغياب “التجانس” بين مكوّناتها، في ضوء رفض غالبية النواب “التغييريين” لفكرة التحالف مع “القوات” التي لطالما كانت برأيهم جزءًا من المنظومة، ولكن أيضًا لأنّ “معركة” نيابة رئاسة المجلس، التي “اتّحد” فيها الفريقان على اسم واحد، بدت “خاسرة” مع خسارة المرشح غسان سكاف.
“سابع المستحيلات”!
مع ذلك، ثمّة من يقول إنّه من الممكن للأطراف التي تصف نفسها بـ”السيادية” أن تتفق مع نواب “التغيير” على اسم موحّد لطرحه في الاستشارات، أو بالحدّ الأدنى يمكن الذهاب إلى “سيناريو” تتبنّى فيه الأحزاب التقليدية المنتمية إلى هذا الفريق الاسم الذي ستختاره كتلة النواب “التغييريين”، ما يمنح الأخير فرصة حقيقيّة ليُكلَّف في نهاية المطاف، خصوصًا إذا ما بقيت “التباينات” سائدة لدى الفريق الآخر، وتحديدًا بين “العونيين” و”الثنائي”.
لكن، حتى لو حصل هذا السيناريو “الافتراضي”، ونجح “السياديون” مع “التغييريين” في فرض “هوية” رئيس الحكومة، وفق ما يرى البعض، فإنهم لن يتمكّنوا وفق المعطيات من فرض “شكل وتركيبة” الحكومة، أولاً للاختلاف فيما بينهم في مقاربة الحكومة، فعلى الرغم من أنّ نواب “التغيير” لم يحسموا مثلاً موقفهم من إمكانية “التمثل” في الحكومة، فإنّهم يضعون لذلك شروطًا تبدو “تعجيزية” وتوحي أنّهم يفضّلون الجلوس في مقاعد المعارضة.
وأبعد من هذه الانقسامات والتباينات، ثمّة “عقبة” كبرى أمام ولادة أيّ حكومة لا يرضى عنها فريق “العهد” وحلفائه، وعلى رأسهم “حزب الله”، وهم المتمسّكون بالمشاركة في الحكومة، بل يطرح بعضهم التخلي عن مبدأ “التكنوقراط” لتكون حكومة سياسية، ولا سيما أنّها من ستستلم صلاحيات الرئاسة في حال الفراغ، وتكمن هذه “العقبة” في التوقيع الملزم لرئيس الجمهورية على مراسيم التشكيل، وهو لن يقدّمه بطبيعة الحال لحكومة ترفع شعار “مواجهة العهد”.
من حقّ كلّ فريق أن يطرح “مقاربته الخاصة” للشأن الحكومي، ومن حق كل فريق أيضًا أن يسعى لتسجيل “الانتصار” في “معركة” رئاسة الحكومة، ولا سيما أنّها في ظلّ البرلمان الجديد، والانقسامات العمودية التي يشهدها، لا تشبه أيّ “استحقاق” سابق. لكن من واجب الجميع أن يدركوا أنّ “لعبة الوقت” قاتلة هنا، فالحكومة المنتظرة هي “انتقالية”، ولن يكون أمامها سوى أشهر معدودة، للمضي في مسار “الإنقاذ”، وهنا بيت القصيد.