أنجز المطبخ التشريعي، لينتقل العمل اليوم إلى انجاز عملية تكليف رئيس جديد للحكومة. إلا أن هذا الأمر ينتظر تعيين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون موعدا للاستشارات النيابية الملزمة لبدء مشاورات التأليف التي ستكون محتدمة بين قوى السلطة أنفسهم مع خروج أصوات حزبية تنادي بحكومات على قياسها ووفق ما تقتضيه مصالحها وأجندتها السياسية.
وفي الوقت الذي تبدو فيه الكتل النيابية منشغلة بحساباتها التي سوف تتمخض عنها قراراتها في شأن عملية التكليف، فالتأليف، ثمة حركة مكومية قامت بها السفيرة الفرنسية آن غريو خلال الأيام الماضية على القيادات السياسية والحزبية، فزارت كلا من رئيس تيار المرده سليمان فرنجية، رئيس حزب القوات سمير جعجع، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس حركة الاستقلال ميشال معوض على ان تستكمل جولاتها على الكتل النيابية الاخرى، بالتوازي مع استعجال باريس القوى السياسية تشكيل حكومة في لبنان من دون اي شروط قطعا للطريق على اي فراغ حكومي، واقرار التشريعات المطلوبة من مجلس النواب التي تصب في خانة الاصلاحات المطلوبة من فرنسا والمجتمع الدولي لتقديم المساعدات الى لبنان، خاصة وان هناك الكثير من اقتراحات ومشاريع القوانين المتصلة بالوضع المالي ومحاربة الفساد واستقلالية القضاء موجودة في ادراج البرلمان ولم يتم اقرارها بفعل التجاذبات السياسية.
ان تعدد المقاربات السياسية في التعامل مع الملف الحكومي يعقد امكانية حل معضلة التكليف والتأليف في ظل المشهد الجديد في البرلمان، وتضارب مواقف الكتل النيابية من شكل الحكومة: حكومة تكنوقراط. حكومة اختصاصيين. حكومة سياسية. اكثرية تحكم واقلية تعارض. علما أن الاحزاب المنضوية تحت قبة البرلمان والقوى التغييرية والنواب المستقلين قد ينحازون الى اسم او يستبعدون آخر ربطا بموقفهم من شكل الحكومة، في حين أن تشتت أصوات نواب قوى التغيير وغياب التقاطع بينهم وبين نواب المعارضة وبعض النواب المستقلين سيؤدي الى اصابة”الكتلة التغييرية” مجددا بالفشل بعدما اسقطت نفسها في امتحان احداث التغيير المنشود في اللجان النيابية.
لقد أكد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ضرورة “أن يختار المجلس النيابي مَنْ يراه مناسبا لتشكيل الحكومة الجديدة، وأن يكون التشكيل الحكومي من دون شروط وتعقيدات يضعها اي فريق في وجه الرئيس المكلّف”.
فمن قصد ميقاتي بالفريق الذي يضع شروطا في وجه الرئيس المكلف؟
وفق مصادر مطلعة لـ”لبنان24″ لم يقصد رئيس حكومة تصريف الاعمال فريقا معيناً، وهو حث المعنيين كافة على وضع الخلافات السياسية والحسابات جانبا وعدم تعطيل التكليف الذي يخضع لعملية غربلة سياسية وصولات وجولات واتصالات تقودها بعض الاحزاب السياسية للتوصل الى تفاهم بالحد الادنى، على ضوئه سيحدد رئيس الجمهورية الموعد للاستشارات النيابية الملزمة التي لا يزال موعدها المتوقع الاسبوع المقبل في خانة الترجيحات السياسية، مع اشارة المصادر الى ان الهم الاول والاخير يجب ان ينكب على تأليف حكومة تنال ثقة الداخل والخارج وتستكمل العمل في خطة التعافي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتخطي الازمات وإعادة تأهيل قطاع الكهرباء بعيدا عن الصراعات السياسية، فالظروف التي يمر بها لبنان ليست مؤاتية لفرض الشروط والشروط المضادة، فالبلد لا يحتمل التعطيل اشهرا على غرار ما كان يحصل في السنوات الماضية. الواقع الاقتصادي والاجتماعي لا يسمح بذلك ولا احد يملك ترف الوقت. وبالتالي فإن رفع السقوف للحصول على مكتسابات ادارية من هنا وقضائية وعسكرية من هناك سوف تذهب هباء. فما يطرحه على سبيل المثال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على طاولة المفاوضات من شروط يريد تمريرها( تعيينات ادارية وقضائية ومالية وعسكرية) مقابل عدم تعطيل تكليف الرئيس ميقاتي، يقابل الى حد كبير بحذر في حارة حريك. فحزب الله يرغب باعادة تسمية ميقاتي انطلاقا من انه يحظى بتأييد من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري وهناك شبه اجماع سني حوله، وبدعم فرنسي وأوروبي. وفي الوقت نفسه لا يدعم رئيس تكتل لبنان القوي في الملفات التي يطرحها، فموقع حزب الله من هذه الملفات سيكون منسجما مع موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يحسب شروط باسيل جيدا ولن يعطيه شيكا على بياض لحكم لبنان ادارياً وماليا.وعليه فإن طرح باسيل مشاركته في حكومة سياسية كوزير خارجية وان تكون حقيبة الطاقة من حصته امر مستحيل ولا يمكن ان يقبل به حلفاء التيار البرتقالي المفترضون قبل خصومه، هذا فضلا عن ان الخارج الذي يتطلع الى حكومة كاملة الاوصاف تراعي متطلبات الواقع الاقتصادي، لن يقبل بأن يكون باسيل اسوة ببعض الاسماء التي تدور حولها شبهات مشاركا فيها، لان المطلوب حكومة لانقاذ البلد وليس حكومة تغرقه اكثر في مستنقع الانهيار السياسي والمالي والمعيشي.
وبحسب الاوساط الغربية فإن ما حصل عليه باسيل في حكومة “معا للانقاذ” لن يحصل عليه في الحكومة العتيدة، فهناك غضب فرنسي واميركي تجاهه ولا علاقة لحزب الله بموقف باريس وواشنطن منه.