كتبت” الاخبار”: تتّجه الأنظار اليوم إلى مكتب النائب العام الاستئنافي في بيروت زياد أبو حيدر الذي بين يديه ملف الادعاء على حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة لارتكابه جناية اختلاس أموال الشعب، وهو يخشى حتى القيام بدور «ساعي البريد»، بتنفيذ أمر رئيسه النائب العام التمييزي غسان عويدات الذي طلب منه تحريك دعوى الحق العام أي الادعاء. لذلك، في حال إصرار أبو حيدر على التمرّد على أوامر رئيسه برفض الادعاء، فإنّ عليه الردّ بكتابٍ خطّي سينقلب عليه حتماً لتثبيت واقعة ارتكابه خرقاً للقانون. إذ لا يحق للنائب العام الاستئنافي أن يناقش طلبات المدعي العام التمييزي لكونه ليس مرجعاً للطعن بقرارات رئيسه، كما لا يملك خيار مراقبة قانونية قرارات رئيسه، بل إنّ له فقط حق الطلب من رئيسه إرسال الطلب خطياً، ولا سيما أنّ عويدات لم يسأل أبو حيدر ما إذا كان مختصاً أو لا، بل طلب منه الادعاء تبعاً للسلطة الممنوحة له بحسب المادة ١٣ من أصول المحاكمات الجزائية.
نص المادة ٢١ من القانون نفسه واضح إذ يرد فيه ما حرفيته: «للنائب العام المالي أن يطلب، بواسطة النائب العام التمييزي، من النائب العام الاستئنافي في كل المحافظات تحريك دعوى الحق العام أمام قضاة التحقيق أو الادعاء مباشرة أمام المحاكم المختصة. وبالتالي، لا يمكن للنائب العام المالي الادعاء مباشرة إلا عبر النائب العام الاستئنافي».
أما شكل الادعاء وطريقته، فقد كانا في عهدة عويدات الذي كانت أمامه عدة خيارات. وفيما تردد أنّه لم يطلب من المحامي العام التمييزي جان طنوس الادعاء خشية أن يذهب الأخير إلى طلب توقيف سلامة فوراً ومنعه من دخول المصرف المركزي، تتحدث مصادر مطلعة عن تجنّب عويدات الطلب من طنّوس ذلك كي لا يظهر كمن يتهرّب من الادعاء بنفسه لكونه هو من كلّف إجراء التحقيق.
. وقد أبلغ عويدات عون وميقاتي بأنّ الأمور تتطور سريعاً في أوروبا، وأن وفداً قضائياً فرنسياً برئاسة قاضية فرنسية سيصل الى بيروت قريباً جداً، وسيطلب معلومات ومعطيات مفصّلة حول ملف رياض وشقيقه. وقال عويدات إنه أبلغ الفرنسيين أنه مستعد للتعاون على قاعدة تبادل كامل للمعطيات. ولفت إلى أن الفرنسيين يشكّكون في المعطيات التي وردتهم من سلامة لأن الأخير كشف عن التحويلات الصادرة من حساب شقيقه مع تفاصيل تواريخها وحجمها، لكنه رفض الكشف عن هوية الأشخاص الذين حوّلت الأموال لهم في الخارج. وتؤكد مصادر مطّلعة على التحقيقات أنّ الكشوفات المسلّمة إلى القضاء غير كاملة. وقد برّر محامون على صلة بسلامة الخطوة بأن رفع السرية قائم عن المشتبه فيه أي رجا، وليس عن الآخرين. وبالتالي فإن المعطيات تكشف عن رجا وليس عمّن تعامل معهم، سواء في لبنان أو خارجه. غير أنّ مصدراً قضائياً أكد أنّ هناك لغطاً باعتبار أنّ رفع السرية لا يكون عن شخص باسمه، وإنما على حساب. ولدى رفع السرية يكون ذلك عن المرسل الى هذا الحساب والمرسل إليه منه. ولفت المصدر القضائي إلى أنّ الحديث عن أسماء هو تذاكٍ من قبل سلامة، لافتاً إلى أنه لا وجود لسرية مصرفية على اسم رجا سلامة، إنما السرية على حساب رجا سلامة.
في المحصلة، أصر عويدات على خطوة الادعاء لأن المعطيات الموجودة كافية. وقال إنه تسلم من طنوس تقريراً يتضمّن أسباب الادعاء مع مرفقات تفصيلية تكشف عن ضرورة الذهاب الى الادعاء فوراً. كما تبيّن أن المراسلات حول حسابات رجا ليست واضحة جميعها، وهناك ملفات تم شطبها وأسماء تم حذفها. ولدى القضاء شكّ بسلامة الحسابات لجهة أن يكون هناك مصرف قام بالتلاعب بها، فضلاً عن أن رياض سلامة لا يزال يرفض إعطاء كشف عن حساباته في مصرف لبنان.
وتكشف المصادر أنّ عويدات أبلغ الرؤساء أن الخطوات القضائية قد تصل الى حدود طلب إحضار سلامة الى التحقيق، وبالتالي فإنّ احتمال توقيفه قويّ جداً لارتكابه جنايات.وفيما تحدثت مصادر عن اجتماع عقد قبل أيام في العاصمة الفرنسية بمشاركة لبنان، جرى خلاله تبادل المعطيات حول ملف التحقيق في قضية سلامة وشقيقه، وتم إطلاع الجانب اللبناني على خطوات مرتقبة من جانب الجهات القضائية الأوروبية، إلا أنّ مصدراً قضائياً رفيعاً نفى ذلك مؤكداً أنه «لن يُعقد أي اجتماع الآن لأننا أنهينا الملف الذي لا يمكن المساس به قبل أن يتسلّمه قاضي التحقيق».تجدر الإشارة إلى أن الادعاء لا يقتصر على رياض ورجا وماريان الحويك، بل يشمل مصارف لبنانية وأجنبية في سويسرا وفرنسا وكذلك شخصيات مشتبه في تورطها بعملية الاختلاس وتبييض الأموال.