كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:خلاصة زيارة هوكشتين إلى بيروت أنه سيحمل إلى إسرائيل الموقف الرسمي اللبناني كي يعود مجدداً بالجواب. إلى حين الوصول إلى هذا الموعد، انتهى لبنان إلى تقديم عرض حرّك الخط 23 قليلاً كي يمسي “23 +”، بغية إخراج حقل قانا من أن يكون منطقة متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. الجواب المفترض من إسرائيل إما الموافقة على الخط المحدث، أو العودة بالنزاع إلى ما قبل القبول بالخط 23، والمقصود بذلك الذهاب إلى استخدام الحد الأقصى للتفاوض عبر إحياء المطالبة بالخط 29.ما استخلصه متتبعون لملف محادثات الثلاثاء، تركيز لبنان على أن المشكلة تكمن في حدود الحقول، مع أن مكسباً جزئياً ربما يكون مفيداً لبعض الوقت، هو توقف الباخرة عن استخراج الغاز من حقل كاريش في خلال المسار الحالي للمفاوضات غير المباشرة اللبنانية ـ الإسرائيلية، برعاية أميركية. أما الملاحظات التي يسجلها المتتبعون هؤلاء، فتكمن في الآتي:
1 ـ سواء توقفت الباخرة أسبوعاً أو اثنين أو شهراً حتى، عن استخراج الغاز من حقل كاريش، إلا أن الاستخراج كان بدأ قبل ذلك، قبل جلوس هوكشتين إلى طاولة التفاوض دونما أن يكون لبنان متقيناً من أن حقل قانا الذي يتمسك به كاملاً مليئاً بالغاز. ليس خافياً أن العجلة في الاستخراج معزوة إلى إصرار أميركي يتقاطع مع أوروبا على ضرورة بدء تصدير إسرائيل الغاز قبل فصل الشتاء، تعويض تداعيات حرب أوكرانيا وإقفال الصنابير الروسية. ليس خافياً كذلك أن الوساطة الأميركية الأخيرة تعوّل على تلاقي مصلحتين: أولى أميركية تقضي بتأمين الغاز لأوروبا بديلاً من روسيا، وأخرى إسرائيلية ببيع غازها بأسعار مرتفعة في توقيت مثالي هو حاجة القارة العجوز إليه.لم يفت بعض مَن أصغى من المسؤولين اللبنانيين الذين اجتمع بهم هوكشتين، في معرض الكلام عن الباخرة تلك، إلى إيحاءاته بموافقة إدارته على وصول الباخرة إلى موقعها الحالي، المتراجع عن الخط 29، مضيفاً أن على لبنان أن لا يُفوّت هذه المرة الفرصة الأخيرة. لفت الانتباه أيضاً سؤاله عن إحداثيات الخط “23 +” الجديد الذي اقترحه لبنان كي يحملها إلى إسرائيل التي ـ كما ذكر أمام المسؤولين اللبنانيين ـ تريد حلاً كي تستفيد من حقل كاريش.
2 ـ ليست الحدود سوى جزء من مشكلة الترسيم. الشق الآخر المكمل لها والأكثر إلحاحاً وجدوى هو الحقوق. مع أنه قال إنه يقف وراء الدولة اللبنانية في ملف التفاوض على الترسيم، إلا أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله دلّ على الوجه المحجوب، على الأقل بالنسبة إلى الإسرائيليين، من المشكلة وهو الحقوق التي تمكّن لبنان ـ كما إسرائيل في آن ـ من استخراج النفط والغاز من الحقول المتفق على ترسيمها ما بينهما. ذلك ما عناه بالتحدث عن البلوك 4 الذي توقف العمل فيه بذريعة خلو جوفه من نفط وغاز، فيما تبين أن الشركة المكلفة التنقيب أُوعِزَ إليها التوقف عن العمل.
3 ـ مقدار ما الخلاف حقيقي ومشروع على سطح الحقول، وإصرار كل من لبنان وإسرائيل عليها، إلا أن جوفها هو الأصل. من دون عودة هوكشتين إلى بيروت بضمانات مزدوجة أميركية ـ إسرائيلية حيال إزالة العراقيل من طريق مباشرة لبنان استخراج النفط والغاز من حقوله والسماح للشركات الأجنبية بالعمل داخل حدوده البحرية، فإن التصور اللبناني الموحد لا يعدو كونه حبراً على ورق دخل في مأزق فعلي. لذا تبدو العودة إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة مؤجلة إلى حين غير محدود، ما لم تقع مفاجأة تقود الجميع دفعة واحدة إلى الاتفاق بإرغامهم على تنازلات مؤلمة.