كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”: كأنّه مقدّر على اللبنانيين، المنهكين أصلاً، ألّا يتنفّسوا الصعداء. وإن حصل وفعلوا، سرعان ما يأتي ما يحبس أنفاسهم من جديد. فبعدما خرج كابوس كورونا- أو هكذا نأمل، إلى غير رجعة- من الباب، أطلّ علينا شبح التهاب الكبد الفيروسي – (اليرقان) من الشبّاك. من طرابلس إلى البقاع وبيروت وباقي المناطق، نسمع عن إصابات هنا وهناك وهنالك. فما الأسباب، وماذا ينتظرنا وهل نحن مستعدّون للمواجهة، إن تطلّب الأمر… وكيف؟
هذا ما كان ينقص محمّد، الوالد لثلاثة أطفال، حسن (14 عاماً)، زينة (11 عاماً) وسيرين (9 أعوام) كي «تِكمَل معنا ببلد ما حدا سائل في عنّا»، على حدّ تعبيره. فمنذ عشرين يوماً تقريباً، استفاق محمّد الذي يعيش مع زوجته وأولاده في حيّ شعبي في طرابلس على أنين ابنته الوسطى تشكو من ألم حادّ في الرأس والبطن إضافة إلى غثيان وتقيّؤ شديدين. حمل الأب الابنة على وجه السرعة إلى أقرب صيدلية حيث طُلب منه إخضاعها لفحص اليرقان. النتيجة جاءت إيجابية، ما استوجب إبقاؤها في المنزل تحت رعاية طبّية وغذائية خاصة وعلاج من أربع مراحل، حُقنت في خلاله بالأدوية عن طريق المصل. حسن وسيرين لم يسلما ليحذوا حذو أختهما، حيث بدأت الأعراض المماثلة بالظهور عليهما تباعاً.
الترصّد صعب
وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، الدكتور فراس الأبيض، اعتبر أن اليرقان ليس بالمرض الجديد في لبنان، فالإصابات موجودة دائماً، لكن ما حصل بداية الشهر الحالي، هو ظهور ما يسمّى بالـ»طفرة» على غرار ما شهدناه في العام 2017، حيث ارتفع عدد الإصابات بشكل ملحوظ. وما زاد الوضع سوءاً في السنتين الأخيرتين، هو تسخير كافة جهود الوزارة للتصدي لجائحة كورونا، ما أدّى إلى عدم ترصّد حالات اليرقان كما يجب.
وإذ شرح الأبيض بأن الهدف من الترصّد هو منع حصول الحالات، أو على الأقلّ الحدّ من تحوّلها إلى طفرات كبيرة، أشار إلى الجهود التي قام بها فريق العمل لا سيما في فحص عيّنات المياه في طرابلس وفي التوعية حول إجراءات الوقاية سعياً للحدّ من انتشار العدوى. من جهة أخرى، يرى الأبيض أن القاعدة الأساسية التي تُبنى عليها عملية الترصّد هي معرفة السبب أو المصدر ومن ثمّ معالجته. ويضيف: «الاحتمال الأكبر هو حصول تلوّث في المياه نتيجة أعمال صيانة قامت بها مصلحة مياه طرابلس، رغم أن نتائج الفحوصات المخبرية لم تشر إلى ذلك». كيف ذلك إذاً؟ «تتراوح فترة حضانة اليرقان بين ثلاثة وأربعة أسابيع، فالتلوّث ربما يكون قد حصل خلال فترة الأعمال لكن العوارض لم تظهر على المصابين إلّا بعد أسابيع، كانت خلالها المياه قد عادت إلى وضعها الطبيعي، ما صعّب عملية الترصّد».
وزارة الصحة تقوم حالياً، بالتعاون مع اليونيسف، بحملات توعية في المنطقة وتوزيع بعض المعقّمات. لكن ماذا عن اللقاح؟ «هناك نقاش عالمي حول ضرورة القيام بحملات تلقيح ضدّ اليرقان، لكن بعثة منظمة الصحة العالمية أفادت في آخر زيارة لها إلى لبنان بعدم ضرورة إدراج اليرقان على لائحة الحملة الوطنية للقاح». وفي السياق نفسه ذكر الأبيض اجتماع لجنة الأمراض المعدية الإثنين الماضي بحضور ممثلة المنظمة للبتّ في موضوع اللقاح، غير أن القرار لم يُحسم بعد. وعن سؤال حول جهوزية المستشفيات وتوافر العلاج، يؤكد الأبيض أن غالبية المصابين لا يحتاجون دخول المستشفى سوى للخضوع لعلاجات بسيطة تتعلق بالجهاز الهضمي، مضيفاً: «لم نشهد حتى الآن حالات خطيرة وشديدة العدوى، وقد أعلنت الوزارة تكفّلها تغطية جميع العلاجات».
ماذا عن الأعداد وهل من توجّه إلى عزل مدينة طرابلس؟ «حتى الآن نتوقع استقراراً في الأعداد، وبالتالي انخفاضاً في ما بعد، وستقوم الوزارة بإصدار تقارير يومية بهذا الشأن. كما أنه ليس المطلوب عزل المناطق وإنما معرفة مصدر التلوّث والسيطرة عليه»، كما يختم الأبيض.