كتبت سينتيا سركيس في موقع mtv:
في العادة، يكونُ العدوّ الأكثرَ إلمامًا بنقاطِ القوة كما الضعف للبلد الذي يعاديه، يُدرك كل تفاصيلِ شؤونه وأزماته، يُتابع بدقّة تامّة يوميّاته وشجون سكانه، حتى يكونَ على درايةٍ كبيرة بكل ما يرتبطُ به، وجاهزا دوما لاقتناصِ الفرصة المناسبة في حربهِ أو نزاعهِ معه. غير أن التطوراتِ الاخيرة توحي بتقصيرٍ إسرائيلي كبير في هذا المجال، لكأن العدوّ لا يتابعُ إلا أخبارَ ليالينا وسهراتنا البعيدة كلَ البعد عن أيامنا ومصائبنا.
فقد ضجّت أخبارُنا في الأيّام الاخيرة، بالتهديدِ الذي وجّههُ رئيسُ الأركان الاسرائيلي أفيف كوخافي، ملوّحًا بهجومٍ لم يشهدهُ لبنان من قبل، ومما جاء فيه: “بلورنا آلاف الاهداف التي سيتمّ تدميرها، ضمن خطة لاستهداف مقرات القيادة والقذائف الصاروخية والراجمات، وسنقوم بتوجيه ضرباتٍ كبيرة جدا في الحرب، غير أننا سنُنذرُ السكان حتى يتمكنوا من مغادرة المناطق لأن قوة الهجوم ستكون بشكلٍ لم تشهدهُ من قبل”.
ما تقدّم، يؤكدُ بشكلٍ لا يقبلُ الشك أن الرجلَ لا يتابعُ أخبارنا البتّة أقله في السنوات الثلاث الاخيرة، أم أنه يتابعُ فقط صورَ اللبنانيين على الإنستغرام… فأيُ حربٍ هذه التي ستدمّر كل شيء؟ بالأحرى، ماذا بقى صامدًا حتى يتمكّن العدوّ الاسرائيلي من تدميره؟
في حرب 2006، مُنينا بخسائرَ جمّة نتيجةً العدوان الاسرائيلي، قُدّرت بـ2.8 مليار $… حينها واظبَ الاسرائيليون على قصفِ الطرقات والبنى التحتية، والجسور التي لقيت النصيبَ الأكبر… أما اليوم فطرقاتنا بالكادِ باستطاعتنا التجوّلُ عليها بعدما اكتوينا بأسعارِ البنزين وأصبحت كُلفة النقل في لبنان تساوي الراتبَ في كثيرٍ من الاحيان، ناهيكم عن العتمة التي تجعلُ من التنقلِ ليلا، فيلمَ رعبٍ حقيقيّ تختبرُ فيه حظّك بالوصولِ بأمانٍ إلى وجهتك. أما البنى التحتية، ففي الويل، “واللي فيا مكفيها”، هياكلها متزعزعة وسط موتٍ سريريّ لمختلف القطاعات الحيوية والأساسية.
حرب الـ2006 لم تستثن بدمارها قطاعَ الاتصالات الذي بلغت خسائرهُ يومَها 85 مليون دولار… وفي أيّ حربٍ محتملة جديدة، ما الذي قد يصيبُ اتصالاتنا؟ فالقطاعُ يلفظُ أنفاسهُ الاخيرة وهو على طريقِ الإفلاس، والكلام لوزير الاتصالات نفسه. الشبكة متخمةٌ بعشوائيةِ الخطوط، وبالمدخولِ القليل، بعواملَ عدة تعودُ لانهيارِ الليرة وسعرِ المازوت الذي يسجّلُ أرقامًا قياسيّة وهي المادّة الأساسية لتشغيل المولّدات الخاصة بشبكة الاتصالات، حتى بتنا نعيشُ يوميّا في رعبِ الانعزالِ التام عن الشبكةِ العنكبوتية.
أما إذا كان كوخافي يهدّدنا بأننا قد نرزحُ في العتمة، بعدما بلغت خسائرُ الكهرباء في الـ2006 حوالى 180 مليون دولار، فزادَ التقنينُ يومَها ساعتين أو ثلاثة… فرهانهُ ليس في محلّه، لأننا منهوبون حتى أخمصِ قدمينا وفي العتمة غارقون، وما بقي شيء من الكهرباء حتى يدمّروه… حتى أموالنا تبخّرت، تماما كأحلامنا ومستقبلنا… أشغالنا ومستشفياتنا ومدارسنا وحتى مؤسساتنا الرسمية، تعدّ أيامها الأخيرة ولا نكبةَ أكبر من تلك التي أصابتها…
فإذا كان الإسرائيليون يعلَمون، فمصيبتنا أكبر مما تخيّلنا، تماما كالصيف الواعد الذي يتزامن دوما مع العدوانِ الاسرائيلي… أما إذا كانوا يجهلون فمصيبتُهم أكبر.