كتبت “الشرق الأوسط”:
أسهمت الوعود غير المحققة لمؤسسة كهرباء لبنان بتحسين التغذية بالتيار الكهربائي من ساعتين إلى 10 ساعات يومياً، بتحول المستهلكين، أفراداً ومؤسسات، بكثافة نحو خيار التزود بالكهرباء عبر الاستثمار في إنشاء شبكاتهم الخاصة من ألواح الطاقة الشمسية، والتخلي قسراً عن خيار الاشتراكات في المولدات الخاصة التي أضحت كلفتها التي تضاهي 3 ملايين ليرة بالحد الأدنى شهرياً، متعذرة تماماً عن معظم الفئات الاجتماعية.
وبات من السهل حالياً ملاحظة الانتشار الكبير للخيم الحديدية الحاملة للألواح السوداء على سطوح الأبنية والمنازل وحتى الحدائق والفسحات المتاحة، ولا سيما في البلدات والقرى، والتي تعكس حجم الإقبال الاستثنائي على الخيار البديل.
ويترافق ذلك مع نمو لافت للعروض في الأسواق للبيع والتركيب من قبل الشركات المستوردة للتجهيزات وتجار الجملة الذين تتضاعف أعدادهم بشكل غير منظم وبما يفيض عن حجم الطلب الكبير، فيما يحاول مالكو الشقق في أبنية المدن الكبرى إنضاج اتفاقات خاصة أو انتظار حلول مؤاتية تعالج مشكلة الملكيات المشتركة للسطوح والفسحات المتاحة.
مع هذا، فقد تنبهت إدارات المصارف إلى جدوى التوظيف التمويلي في هذه السوق الواعدة، فعمد العديد منها إلى تصميم منتجات لتوفير قروض تستجيب لإمداد المحتاجين بالسيولة المطلوبة بالتقسيط لقاء فوائد تراوح بين 5 و10 في المائة سنوياً، بهدف تمكينهم من الحصول الفوري على شبكاتهم الخاصة من الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، ما سيحقق حتماً اندفاعاً قوياً ومضاعفاً لهذه السوق الناشئة، علماً بأن الكلفة المتوسطة للشبكة المنزلية تتراوح بين 5 و7 آلاف دولار، أي ما يوازي ما بين 150 و200 مليون ليرة، بحسب سعر الصرف السائد.
وإذ تترقب الأسواق الانطلاقة الأولى لعمليات التسليف الجديدة مطلع الأسبوع المقبل مع إفصاح “بنك الإسكان” عن عنوان بوابته الإلكترونية المختصة بتلبية طلبات قروض الطاقة من ضمن مبادرة متكاملة تشمل حزمة من منتجات القروض الإسكانية الموجهة خصوصاً لذوي الدخل المحدود، ولا سيما في الأرياف، أكد مصرفيون لـ”الشرق الأوسط”، أن ما لا يقل عن 6 بنوك تعكف بالتزامن على وضع اللمسات الأخيرة لإطلاق منتجات مستحدثة للتمويل بالتجزئة وتتصدرها القروض المخصصة للطاقة الشمسية.
ويمثل هذا الدفق التمويلي المرتقب بالليرة حصراً في المرحلة الحالية بسبب المحاذير الكامنة أمام استئناف الإقراض بالدولار ريثما تتوفر ضمانات كافية للسداد بالعملة عينها، استعادة استثنائية، ولو خجولة في بداياتها، لوظيفة البنوك في قطاع الائتمان، بعد اعتكاف قسري وطويل يشرف على ختام عامه الثالث جراء الأزمات المالية والنقدية التي قوضت معظم العمليات المصرفية ومنظومات التسليف للأفراد والشركات على حد سواء، وأدت إلى تقلص حاد في محافظ التمويل لدى الجهاز المصرفي من مستويات قاربت 53 مليار دولار إلى أقل من 20 مليار دولار، ووسط نزف كبير في القيم المسددة بالسعر الرسمي لليرة للقروض المحررة بالدولار، وهو ما يسري أيضاً على كامل التمويلات السابقة بالليرة.
ويؤكد رئيس مجلس إدارة “مصرف الإسكان” ومديره العام أنطوان حبيب، أن المبادرة لتصميم رزمة قروض خصصها مصرف الإسكان لمساعدة اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود، تقع في أساس وجود البنك ومهامه.
وبدءاً من الأسبوع المقبل، “سنضع هذه المنتجات بتصرف المستهدفين مقرونة باعتماد معدلات فوائد متدنية بالليرة لن تتعدى 5 في المائة، وبتسهيلات تقنية من خلال الموقع الإلكتروني الذي سيتيح تقديم الطلبات والحصول على الموافقات المبدئية كاملة قبل التوجه إلى مركزنا أو فروعنا في المحافظات”.
واعتبر حبيب، في حديث لـ”الشرق الأوسط”، أن غياب البنوك عن التمويل لوقت طويل نسبياً يمكن أن ينتج مخاطر جسيمة مستقبلاً، بحيث يفصلها عن قواعد واسعة من عملائها وشراكاتها المباشرة في قطاعات الإنتاج كافة توظيف مواردها في تلبية حاجات الأفراد والشركات. فالائتمان هو أساس محوري في عمل البنوك ومصدر قوتها كقاطرة للاقتصاد الوطني، فضلاً عن صدارته في الجدوى الاستثمارية وديمومة الربحية في مرحلة التعافي الموعودة.
وعن ضيق الإمكانات المتاحة للبنوك، في ظل الضغوط الناشئة عن الأزمات وتقنين السيولة التي تعانيها البلاد، أكد حبيب أنه “إضافة إلى إمكاناتنا الخاصة المكونة من رساميلنا، ومن المخصصات التي نعول على انسيابها، من مساهمينا الموزعين بين 80 في المائة لمصارف خاصة، و20 في المائة للدولة، سنعتمد على مصدر تمويل سخي يبلغ نحو 165 مليون دولار عبر الجهود المبذولة لإنعاش اتفاقية قرض ميسر مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (ومقره الكويت)، علماً بأن اتفاقية القرض الميسر هي الثالثة من نوعها بين الصندوق والمصرف”.
بدورها، كتبت “الراي الكويتية”: يترقّب المستهلكون والأسواق في لبنان الإطلاقَ الرسمي لحزمةِ قروض شراء الشقق وترميم المنازل والطاقة الشمسية، بمبادرة من مصرف الإسكان عبر بوابته الإلكترونية مطلع الأسبوع المقبل، وبتمويل سخي موعود من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت، بقيمة تناهز 165 مليون دولار، يضاف إلى الإمكانات الذاتية للمؤسسة التَشارُكية بين البنوك والقطاع العام، ما يشكل رافعةً وازنة لضمان الديمومة والتوسع في مرحلة لاحقة.
ويكتسب الحَدَث أهمية خاصة استثنائية، تتعدى نطاقه في الاستجابة لتعطُّش اللبنانيين إلى التزوّد بالكهرباء بصفة خاصة، وإمكان تملك منزل أو ترميمه خارج المدن الكبرى، ليمثّل محطة مفصلية لعودة المصرف المتخصص إلى عمليات الاقراض المتوقّفة بفعل الأزمات المالية والنقدية التي تضرب البلاد من دون استراحة منذ خريف 2019، والتي أدت في جانبٍ أساسي منها، إلى تقويض ركائز مهمة في الجهاز المصرفي وزعزعة بنيته ومنظومة عملياته وخدماته، بحيث أضحت إعادة هيكلته شرطاً رئيسياً مسبقاً لتيسير عقد لبنان اتفاقية برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي.وعلمت “الراي” أن عدداً من البنوك التجارية بصدد طرح منتجات مماثلة لمواكبة الطلب المتنامي على الاقتراض، بهدف إنشاء شبكات كهربائية خاصة بالمنازل، ما يؤمل معه تكوين اندفاعة مصرفية تَنافُسية في حجم المبالغ وفترات السداد ومعدلات الفوائد، وهي التجربة التمويلية الأولى عقب انقطاعٍ شبه مطلق يكمل عامه الثالث بعد 3 أشهر، وبعد اتساع كبير في الفجوة السلبية لعلاقة البنوك بزبائنها بسبب انهيار قِيَم المدخرات والتقنين المتشدد في سحبها وفق حصص شهرية متناقصة.واستمدّت الشهيةُ المصرفيةُ حيويةً من مبادرة مصرف الإسكان إلى طرْح حزمة القروض الخاصة به، وارتكازاً إلى عامليْن أساسييْن، الأول ما يتوافر من فوائض سيولة بالليرة ناجمة عن تحصيل قروض سابقة ومن الأموال الخاصة واستحقاقات سندات الخزينة، ومن خارج سلّة تلبية السحوبات وفق الحصص المعتمدة حالياً.ويشمل العامل الثاني وجود طلب حقيقي على تمويل الشبكات الخاصة للتزود بالكهرباء من الطاقة الشمسية، وهو يتصاعد بوتيرة مضاعفة من شهر الى آخَر، بسبب الارتفاعات الباهظة والمضطردة في كلفة الاشتراكات بالمولدات الخاصة.بيد أن البنوك التي درستْ فرصَ الانفتاح على التمويل والاستثمار المُجْدي في سوقٍ ناشئةٍ، قد لا يقلّ حجمُها عن 500 مليون دولار في الفترة الحالية والمتوسطة الأمد، سرعان ما اكتشفتْ اختلال المعادلة بين الكلفة المقوَّمة بالدولار “الفريش” حصرياً وبين مخاطر التمويل بالعملة عيْنها، لتستدلّ لاحقاً صوابية الحل الذي بادر إليه مصرف الإسكان بإمكان طرح برامج تسليف بالليرة على أن يتولى صاحب القرض عملية التبديل من الليرة إلى الدولار وفق الخيارات المتاحة سوقياً، أي عبر منصة “صيرفة” وشركات الصرافة.رزمة القروضمن جهته، جدّد رئيس مجلس إدارة مصرف الإسكان مديره العام انطوان حبيب في اتصال مع “الراي”، التأكيد بأن رزمة القروض التي سيطلقها المصرف، تتضمن قرض شراء منزل والذي يصل الى مبلغ أقصاه مليار ليرة كبدل لشراء شقة بتقسيط السداد على 30 سنة، وقرض ترميم المنزل بمبلغ أقصاه 400 مليون مقسطاً على 10 سنوات، وقروض الطاقة الشمسية ويتراوح سقفها المالي بين 75 و200 مليون ليرة تُقَسَّط على 5 سنوات، مبيناً أنه وسيتم اعتماد فائدة سنوية موحّدة بنسبة 4.99 في المئة.وكانت “الراي” سبّاقةً في مقاربة هذا الملف الحيوي عبر تحقيقٍ مطوّل نشرتْه في عدد 6 أبريل الماضي، وتضمّن مقابلةً خاصةً مع حبيب، إذ تحدث عن ضيق الإمكانات المتاحة للبنوك في ظلّ الضغوط الناشئة عن الأزمات وتقنين السيولة التي تعانيها البلاد، مؤكداً أنه “إضافة إلى إمكاناتنا الخاصة المكوَّنة من رساميلنا، ومن المخصصات التي نعوّل على انسيابها من مساهمينا الموزَّعين بين 80 في المئة لمصارف خاصة، و20 في المئة للدولة، سنعتمد على مصدر تمويل سخي يبلغ نحو 165 مليون دولار عبر الجهود المبذولة لإنعاش اتفاقية قرض ميسّر مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت، وأن اتفاقية القرض الميسّر هي الثالثة من نوعها بين الصندوق والمصرف”.وعاود التشديد على”أن المظلة الخليجية عموماً والكويتية خصوصاً لم تغب يوماً عن لبنان والمقيمين فيه، رغم غيمة الصيف العابرة التي طرأت في الأشهر الأخيرة”، متابعاً “نلمس في اتصالاتنا مع الدول الشقيقة ومؤسساتها، كل الاستعدادات الطيّبة والمعتادة للاستمرار في سياساتهم وخياراتهم المستجيبة بصدقٍ لدعم احتياجاتنا التمويلية، أما تمويل الصندوق الذي نسميه اصطلاحاً (القرض الكويتي نسبة إلى مقر الصندوق) فهو دلالة جديدة على عمق العلاقات التي تربطنا بالأشقاء الخليجيين، سواء على مستوى كيانات الدول، أو على كل المستويات الشعبية والمؤسساتية”.