طالعنا “التيار الوطني الحر” أمس ببيان مقتضب لا تتعدى كلماته المئة إستعمل فيه كلمة “كاذب” ثلاث مرّات: ” الكلام الكاذب”، “كل ترويج كاذب”، “المقالات والتحاليل والربورتاجات الكاذبة”، وذلك لتبرير عدم دخوله في “بازار” الشروط في الملف الحكومي.
ويتابع البيان فيشير إلى “ان التيار الوطني الحر، الذي يريد سريعاً تأليف حكومة تكون على مستوى المرحلة، يؤكد أنه لا يتواصل إطلاقا مع أي فريق أو جهة في شأن المشاركة في الحكومة من عدمها، ولا حديث بتاتًا مع اي طرف، ولا حتى داخل التيار بعد، بشأن مطالب او شروط للتيار او لرئيسه من اجل المشاركة في اي حكومة”.
الذي يقرأ بيان “التيار” يعتقد للوهلة الأولى أنه أمام بيان صادر عن جمعية “سان فنسان دو بول”، لما تضمّنه من تعفّف في غير محله في الموضوع الحكومي. وهؤلاء القرّاء غير المتابعين وغير المطّلعين على خفايا الأمور، وعلى ما يُخطّط له في “الغرف المغلقة”، يميلون عن سذاجة و”طيبة قلب” إلى تصديق كل كلمة وردت في البيان التبريري لـ”التيار”.
ولكن الذين يعرفون ما في البئر ومن يضع عليه الغطاء حتى لا يعرف كثيرون ما فيه لم تنطلِ ولن تنطلي عليهم كلمات لا تعني شيئًا في القواميس السياسية. من غير الطبيعي ألا يكون لـ”التيار” ولغيره من القوى السياسية شروط للقبول بالمشاركة في الحكومة العتيدة أو في أي حكومة أخرى. فلهذه القوى حضورها السياسي وتمثيلها النيابي والشعبي، ومن حقّها الطبيعي أن تضع معيارًا واضحًا لكيفية مشاركتها في السلطة التنفيذية، ومن حقّها أيضًا أن يكون لها رأي في من سيتولى رئاسة الحكومة، وبالتالي في شكل الحكومة ومهامها وطريقة عملها، ومعرفة ما سيتضّمنه بيانها الوزاري من خطط لمرحلة يعتقد البعض أنها ستكون طويلة إذ أنه من المتوقّع والمرجّح ألا تجري الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري.
أن يكون للنائب جبران باسيل، وهو رئيس كتلة نيابية، رأي في من سيتولى رئاسة الحكومة وطبيعة مشاركة تياره في الحكومة والحقائب التي يريدها أمر طبيعي بل بديهي. هذا ما كان يحصل في السابق. وهذا ما يحصل اليوم.
أمّا أن يُقال لنا إن “التيار” لا يتواصل إطلاقا مع أي فريق أو جهة في شأن المشاركة في الحكومة من عدمها، ولا حديث بتاتًا مع اي طرف، ولا حتى داخل التيار بعد، بشأن مطالب او شروط للتيار او لرئيسه من اجل المشاركة في اي حكومة”، فهو أمر يصعب تصديقه. فإذا لم يكن “التيار”، وهو من بين القوى السياسية الرئيسية في البلاد، ينفي تعاطيه في الشأن الحكومي، وهو أهمّ إستحقاق داهم حاليًا، ففي أي شأن يتعاطى اليوم، وما هي إهتماماته اليومية في هذه الظروف، التي يبدو فيها الجميع تقريبًا عاجزين عن تقديم حتى كوب ماء لمن هو في حاجة إلى أن يبّل ريقه به؟
كان حرّي بـ”التيار” أن تكون لديه الجرأة الأدبية ويعترف بأنه يتعاطى بالشأن الحكومي، وهذا من حقّه الطبيعي، وألا يتهم الآخرين، من دون أن نعرف من هم هؤلاء الآخرين، بالكذب والإفتراء.
الشروط المنطقية التي يضعها هذا الفريق أو تلك الجهة السياسية مطلوبة في العمل السياسي، وهي تدخل في صلبه وتشكّل العمود الفقري في الحياة الديمقراطية. أمّا شروط “عنزة ولو طارت” فهي مرفوضة من الجميع، لأنها توضع ليس من أجل التسهيل، بل من أجل العرقلة لغايات لم تعد خافية على أحد، حتى على الذين أُخذوا للوهلة الأولى بـ”براءة الأطفال في عيونهم”.