غدّاً يوم الاستشارات النيابيّة الملّزمة. كثرت حركة الاتّصالات في الايّام القليلة الماضيّة بين الكتل، ولعلّ البارز قيام بعضها بحسم إسم الرئيس الذي ستُسمّيه. واللافت أنّ لا إسم حاليّاً مدعوما، إنّ من كافة قوى الثامن من آذار، أو من “المعارضة” و”المجتمع المدنيّ”. ففي حين يعمل “حزب الله” على تثبيت الاكثريّة النيابيّة لخطّه السياسيّ، وتأمين الاصوات الـ65 لمرشّحه، يضع رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل، شروطا تعجيزيّة على الشخصيّة التي يريد تكتلّ “لبنان القويّ” تسميتها لتشكيل الحكومة، من الوزارات السياديّة، وصولا إلى الاحتفاظ بوزارة الطاقة، والمطالبة بحقائب أخرى.
كذلك، وضع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد شرطاً مسبقاً على الرئيس المكلّف، وقال إنّ عليه “معرفة أهميّة المقاومة”. ويرى مراقبون أنّ الجميع مع حقّ المقاومة بوجه العدوّ الاسرائيليّ. إلّا أنّ “حزب الله” يُكرس من خلال مطلبه، موضوع السلاح وحمايته سياسيّاً. فرئيس الجمهوريّة حليف له، ومجلس النواب نصفه أقلّه مع المقاومة وسلاحها. ويبقى حماية هذا المبدأ في السلطة التنفيذيّة، من خلال البيان الوزاريّ، والجوهر الثلاثيّ الذي يُؤكّد عليه “الثنائيّ الشيعيّ”: الجيش والشعب والمقاومة.
إذاً، من ناحيّة 8 آذار، صحيحٌ أنّ التحالف قادر على إيصال مرشّحه لرئاسة الحكومة، ولكّن الشروط التي بدأت توضع على الرئيس المكلّف، وفرض شكل الحكومة وعددها والحصص الوزارّية لكلّ فريق، ستكون صعبة أمام أيّ رئيسٍ، قد يقبل بتشكيل حكومة بغير شروطه.
في المقابل، ومع الاشكاليّة التي وضعها باسيل داخل فريقه، فإنّ “القوّات اللبنانيّة” والحزب “التقدميّ الاشتراكيّ” مستمران بالتواصل والتنسيق في ما بينهما. وقد حسمت كتلة “اللقاء الديمقراطي” قرارها، بتسمية السفير نواف سلام، بانتظار إعلان “الجمهوريّة القوية” عن مرشّحها قبل ظهر اليوم. ووفق الترجيحات، فإمّا تتّجه إلى دعم سلام، وإمّا لا تعطي أصواتها لأيّ مرشّح، وبشكل خاصّ إذا قرّرت عدم المشاركة في الحكومة المقبلة. ويُذكر أيضاً، أنّ “الكتائب” أعلنت دعمها لسلام، بانتظار القرار الذي سيتّخذه النواب المستقلّون “السياديون”.
في الاطار عينه، كان لافتاً تمايز نائبي حزب “تقدّم”، مارك ضوّ ونجاة صليبا عن زملائهما الباقين من نواب “التغيير”، عبر إعلانهما عن تسميّة سلام. ما يُؤكّد مجدّداً وجود الخلافات بين نواب “الثورة” الـ13. ويُشير مراقبون إلى أنّ ملاقاة النواب الـ11 الاخرين، لضوّ وصليبا، سيكون عاملاً أساسيّاً في إعادة خلط الاوراق، وخصوصاً إذا سارت “القوّات” بتسميّة سلام أيضاً.
ويُضيف مراقبون أنّه حتّى لو نجحت “المعارضة” بفرض مرشّحها، فإنّ باسيل يريد المشاركة في الحكومة، كذلك، يطمح “الثنائيّ الشيعيّ” إلى الامر عينه. ما قد يفتح سجالاً كبيراً، يقف عائقاً أمام عمليّة التشكيل، ويُبقي على حكومة تصريف الاعمال لوقت طويلٍ. ويلفت مراقبون إلى أنّ الحكومة السياسيّة وحدها قادرة على جمع الكتل النيابيّة في مجلس الوزراء. فحتّى لو نجح “السياديون” بتسميّة سلام، فقد يُفضّل الاخير تشكيل حكومة من إختصاصيين لا تضمّ وزراء سياسيين معارضين. وهذا ما دفع “اللقاء الديمقراطيّ” على سبيل المثال الى دعم سلام، وعدم المشاركة في الحكومة.
ومع بدء التفاف عدد وازن من نواب “المعارضة” حول سلام، يرى مراقبون أن رئيس الجمهوريّة ميشال عون قد يسعى إلى تأجيل الاستشارات، وخصوصاً وأنّ أغلبيّة “السياديين” يسعون لتوحيد مرشّحهم، ما قد يُشكّل خطراً على فريق “العهد”، إذا توحّدت رؤى “القوّات” و”التقدميّ” و”الكتائب” والمستقلّين ونواب “الثورة”، وساروا بإسمٍ واحدٍ، يعطيهم الافضليّة، على فريق 8 آذار، في ظلّ عدم ملاقاة باسيل لـ”الثنائيّ الشيعيّ”.
لكن، مستجدّات جديدة برزت يوم أمس على خطّ التكليف زادت من تشرذم “المعارضة”. فأعلن النائب نبيل بدر أنّه و13 نائباً سيُسمّون الرئيس نجيب ميقاتي، ما يرفع أسهم الاخير أمام أي مرشّح منافس، مع الدعم الذي يلقاه من “الثنائيّ الشيعيّ”، ونواب سنّة آخرين، بالاضافة إلى التكتّل الوطني المستقلّ”. وقد صدر لاحقاً، بيان عن القصر الجمهوريّ يُؤكّد فيه موعد وبرنامج جدول الاستشارات النيابيّة. فهل هذا يعني أنّ الرئيس المكلّف أصبح محسوماً، إسماً وعدداً؟