لم تنضج أي “تسوية” بعد للإنتخابات الرئاسية

23 يونيو 2022
لم تنضج أي “تسوية” بعد للإنتخابات الرئاسية


في أول تحديد لمواصفات الرئيس المقبل للجمهورية من جانب بكركي، نُقل عن البطريرك بشارة الراعي أن أولى المواصفات ّ التي يجب أن يتحّلى بها هذا الرئيس، هي أن يكون سياديًا بامتياز ويعيد بناء  الدولة ولا يُدخل لبنان في سياسة المحاور أو يجعله تابعًا لأي محور، ويُعيد ربط لبنان بالعالم العربي والغربي ليعود هذا البلد الذي يلعب دوره الريادي، ويجب أن يُشّكل الإصلاح ومحاربة الفساد وإنقاذ الوضع المالي والإقتصادي أولوية عنده.  ولا ترى بكركي أن هذه الفترة تحتمل وجود شخصيات أو قيادات رمادية المواقف، لأن الأزمة واضحة وعلاجها أوضح، وبالتالي فإن بداية الحل تنطلق من إعادة إلإعتبار إلى الدولة وتقوية المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة العسكرية الشرعية، وعدم السماح بـ”تفريخ” الدويلات على أطلال الدولة الأم. 

 
إنطلاقًا من هذه المواصفات، من المرجّح أن تدخل البلاد أقّله بعد إستحقاق تكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة العتيدة في فترة حامية على خطّي التأليف والإنتخابات الرئاسية على أساس ميزان القوى الذي أفرزته الإنتخابات النيابية، وإن كان الحديث عن ملامح الرئيس العتيد للجمهورية لا يزال باكرًا، مع العلم أن لهذا الإستحقاق معطيات خارجية تفوق في حيثياتها هامش التحرّك الداخلي. وهذا ما كان يحصل في الماضي، وبالأخصّ في الإنتخابات الأخيرة، التي أسفرت بعد سنتين ونصف السنة من سيطرة واضحة للفراغ إلى سير كل من رئيسي تيار “المستقبل” سعد الحريري ووحزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع في خيار الرئيس ميشال عون.
 
فهل سيتكرّر السيناريو نفسه هذه المرّة؟ 
للإجابة عن هذا السؤال في شكل واضح وحاسم يجب إحاطة الموضوع من كافة جوانبه، أقّله بالنسبة إلى الهامش المعطى للتحرّك الداخلي. 
فـ”حزب الله”، وإن كان يميل إلى ترشيح رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية بعدما أقنع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بهذا الخيار في “إفطار حارة حريك”، لم يعلن بعد صراحة عن دعمه الكامل لهذا الترشيح كما فعل مع الرئيس عون، وقبل أكثر من ثمانية أشهر من بدء المعركة الرئاسية في حينه. 
وما يُقال عن “حزب الله” ينسحب تلقائيًا على الرئيس نبيه بري، الذي يبقى فرنجية مرشحه التلقائي والطبيعي كونه يمثّل الخطّ المقاوم ومحور الممانعة. 
وفي هذا المحور لا يمكن إغفال ما لـ”التيار الوطني الحر” من تأثير في هذا المنحى، وما إذا كان “إفطار حارة حريك” كافيًا بما فيه الكفاية لإقناع باسيل بأن حظوظه الرئاسية هي شبه منعدمة في ظل الواقع السياسي القائم. 
أمّا في المقلب الآخر فهناك مجموعة من القوى، وفي طليعتها “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الإشتراكي”، على رغم علاقته الجيدّة بفرنجية، و”حزب الكتائب” و”النواب التغييريون” وعدد من النواب المستقلين، تتماهى في نظرتها إلى هذا الإستحقاق مع تطلعات بكركي. 
ولأن رئيس الجمهورية يحتاج إلى ثلثي الأصوات ليفوز من الدورة الأولى ما يعني أن نصاب هذه الجلسة يفرض حضور ثلثي النواب، أي 85 نائبًا. وبما أن لا أحد من القوى السياسية يملك الأكثرية التي تسمح لها بالتحكّم بـ”اللعبة” الإنتخابية فإن حظوظ حصول الإنتخابات الرئاسية تبقى غير متوافرة حتى هذه اللحظة. 
وهذا يعني في المفهوم العام لمعنى “التسوية الرئاسية” أن ثمة فريقًا عليه أن يتنازل للفريق الآخر، وهذا ما حصل في آخر تسوية. وهذا الأمر غير وارد من حيث المبدأ، لا من قبل “محور الممانعة”، إذ من المستبعد أن يقبل “حزب الله” بأي رئيس للجمهورية لا يكون نصيرًا لـ”المقاومة”، وبالتالي فإن “المحور السيادي” يرفض رفضًا مطلقًا تكرار تجربة القبول بمرشح من قوى 8 آذار.
وهذا يعني بالمختصر المفيد أن الإنتخابات الرئاسية لن تحصل في موعدها ما لم يسبقها أي تطورات دولية وإقليمية تحتّم إنتخاب “رئيس تسوية” يعكس مناخات أي تسوية محتملة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، ولا تكون المملكة العربية السعودية بعيدة عنها.