ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الالهي على تلة القديسة رفقا في حملايا لمناسبة عيد القديسة، عاونه النائب البطريركي المطران بولس الصياح وراعي ابرشية انطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم ولفيف من الكهنة.
وحضر القداس الرئيس امين الجميل، النائبان الياس حنكش ورازي الحاج، قائمقام المتن مارلين الحداد، وفاعليات وحشد من المؤمنين.وبعد تلاوة الإنجيل المقدس القى الراعي عظة بعنوان “جلست مريم عند قدمي يسوع تسمع كلامه” (لو 10: 39) فقال: “وصف الربّ يسوع جلوس مريم عند قدميه لسماع كلامه، بأنّه “المطلوب الأساسي، والنصيب الأفضل”. ذلك أنّ كلامه نور لحياتنا، وهداية لأفعالنا. وشبّه، في مكان آخر، سماعَ كلامه والعمل به، “برجل حكيم يبني بيته على الصخرة، فلا تؤثّر عليه العواصف والأمطار والرياح العاتية إذا ضربته” (راجع متى 7: 24-27).
اضاف: “سرّ القدّيسة رفقا، التي نحيي ذكرى مولدها في 29 حزيران 1832، تميّز بسماعها الدائم لكلام الله الذي كانت تعتبره موجّهًا إليها شخصيًّا في كلّ مراحل حياتها: سمعته في اليُتم بفقدان والدتها رفقا وهي وحيدة وفي السابعة من عمرها؛ وسمعت صوته الداخليّ لدخول جمعيّة المريمات، وهي تصلّي أمام أيقونة سيّدة النجاة في بكفيا. يومها سمّاها مرشدها الخوري يوسف الجميّل “زنبقة حملايا”. وسمعت صوته في رسالة التعليم المسيحيّ على التوالي في الشبانيّة وغزير ودير القمر وجبيل ومعاد. فكان تعليمها أوّلًا بمثل حياتها وبعيشها ما كانت تعلّم عن سرّ المسيح مخلّص العالم وفادي الإنسان. فتعلّق بها الأطفال والفتيان والشبيبة”.وتابع: “وبعد ثماني عشرة سنة في جمعيّة المريمات، تبلّغت وهي في معاد القرار المرّ وهو حلّ هذه الجمعيّة وضمّها إلى جمعيّة قلب يسوع الأقدس. فتُركت الحريّة التّامة لكلّ راهبة: إمّا الإنضمام إلى الجمعيّة الموحّدة الجديدة، وإمّا الرجوع إلى العالم مع التفسيح من نذورهنّ، وإمّا الإنضمام إلى رهبنة أخرى. فحارت بأمرها وحزنت جدًّا، وكالعلدة قصدت كنيسة مار جرجس في معاد القريبة من المدرسة، وراحت تبكي وتصلّي لكي يظهر الله إرادته فيها. وثقل عليها النعاس ونامت، فسمعت صوتًا يقول لها: “ستترهبين في الرهبنة البلديّة” (المعروفة بالرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة). ورأت راهبًا شيخًا عرفت فيما بعد أنّه القدّيس سمعان شفيع الدير الذي ستدخله، المعروف بدير مار سمعان القرن في أيطو. سهّل دخولها في الرهبانيّة المحسن الكبير إبن معاد السيّد أنطون عيسى. فقدّم لها المال وأرسلها إلى النائب البطريركيّ في المنطقة المطران يوسف فريفر، وهذا بدوره أرسلها إلى الرئيس العام الأباتي افرام جعجع بهذه العبارة: “واصلة إليك هذه النعجة”. فقبلها في دير مار سمعان”.
واردف: “وسمعت كلام الله فعاشت في دير مار سمعان القرن مدّة ست وعشرين سنة. فسارت على خطى المسيح في طريق المحبّة والكمال المسيحيّ. وشعّت بالفضائل، وعاشت ببطولة نذورها الرهبانيّة الثلاثة: الطاعة والعفّة والفقر؛ وعشقت الصلاة مع المحافظة على عيشها مع الجماعة متلألئة بمثلها وفضائلها ومنها التواضع وروح الخدمة والفرح والصمت ودماثة الأخلاق.وسمعت كلام الله فعرفت كيف تسير بتسليم وفرح داخليّ طريق آلامها، على خطى المسيح المتألّم من أجل افتداء خطايا البشريّة جمعاء. بدأت هذا الطريق في دير مار سمعان باقتلاع عينها بصنّارة الطبيب ورأتها تسقط أمامها. فشكرته. نقلت إلى دير مار يوسف جربتا المؤسّس حديثًا حيث عاشت عمياء ومخلّعة بكتفها وسائر أعضاء جسمها. ولم يسلم منها سوى صوتها الرخيم وأصابعها تمسك بمسبحتها وبصنّارة التطريز. فكانت صديقة الصليب ورفيقة المتألّمين، وتردّد: “مع آلامك يا يسوع، مهما تألّمتُ، يسوع تألّم أكثر منّي”. هكذا قبلت آلامها الدائمة والمتزايدة طيلة سبع عشرة سنة. بسبب وجعها المؤلم في كتفها، كانت تقول للراهبات: “يا أختي، لا تنسو الجرح السادس، جرح كتف يسوع. جرحو السادس كان مؤلم كتير، لأنّو حمل عليه صليب خطايانا التقيلي”.وقال: “في ضوء حياة القدّيسة رفقا بكلّ محطّاتها، نفهم كلام الربّ يسوع لمرتا، أخت مريم: “مرتا مرتا، إنّك تهتمّين بأمور كثيرة، وتضطربين: إنّما المطلوب واحد” (لو 10: 40-41). لم يوجّه الربّ يسوع إلى مرتا ملامةً، لأنّها تنصرف إلى واجبات الخدمة والضيافة وهي ضروريّة، بل أظهر أهميّة سماع كلام الله، كما فعلت مريم، من أجل تقديس العمل، وتقديس الذات فيه. ذلك أنّ خدمة الجسد، وإن كانت ضروريّة للحياة، هي زائلة، أمّا الإستماع إلى الكلمة فثمارها أبديّة. يقول القدّيس أغسطينوس: “تنازل الله واتخذ جسدًا لأجلنا، فجاع وعطش، وارتضى أن يُطعه الذين أغناهم. استضافته مرتا في بيتها وأعدّت طعامًا لـمَن هو قدس الأقداس، أمّا مريم فجلست إلى مائدة خبز الحياة”. جاء يسوع، حاملًا الخبز السماويّ لبني الأرض، وقد أصبح واحدًا منهم، يحتاج إلى طعامهم. لكنّه أراد بجوابه إلى مرتا أن يبيّن حاجة بني الأرض إلى طعامه للحياة الأبديّة، كما قال لتلاميذه: “أنا هو الخبز النازل من السماء ليأكل منه الإنسان، فلا يجوع” (يو 6: 35). كانت مرتا تهيّئ للربّ طعامًا وفيرًا، فيما مريم كانت تغتذي من كلام الحياة والبرّ والصلاح. قال القدّيس أغسطينوس: “كانت مريم تأكل مما كانت تستمع إليه، أي كانت تأكل الحقّ ممّن قال عن نفسه “أنا الحقّ والحياة” (يو 14: 6). وهذا هو “النصيب الأفضل الذي اختارته مريم، وبالتالي لا ينزع منها” (لو 10: 42)” . اضاف: “لو أنّ السياسيّين وقادة البلاد عندنا يحفظون خمس دقائق في يومهم لسماع كلام الله لتصرّفوا بأكثر مسؤوليّة في مواجهة تحدّيات البلاد الراهنة السياسيّة والإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة، ولأظهروا أكثر جديّة في الإستشارات النيابيّة الملزمة، ولتكاتفوا من أجل الإسراع في تشكيل حكومة جديدة تعمل على رفع هذه التحديّات، ولأدركوا أنّهم يحكمون البلاد باسم الشعب لا باسمهم وباسم حساباتهم ومصالحهم”.وختم: “لنصلِّ، أيّها الأحبّاء، إلى الله ملتمسين بشفاعة القدّيسة رفقا أن نصغي لكلامه في حياتنا اليوميّة، لكي نعطي أعمالنا وحالتنا قيمة تقدّس نفوسنا، وتجعلنا أهلًا لنرفع آيات المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس “.وكانت سبقت القداس مسيرة صلاة وشموع انطلقت من دير سيدة النجاة في بكفيا وصولا الى تلة حملايا.