خيار يُزعزع “الثنائي الشيعي”.. علاقة “حزب الله” مع برّي يضربها أمرٌ واحد

1 يوليو 2022


يبدو واضحاً أسلوبُ المناورة الذي يعتمدُه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في الملف الحكوميّ، وكلّ ذلك هدفه “تثبيت الوجود السياسي” قبل أي شيء، وتعويم معادلة عنوانها “أنا الرّقم الصعب”.

في كلامه خلال الاستشارات النيابية غير المُلزمة من مجلس النواب، الثلاثاء الماضي، دخل باسيل في ملفات عديدة بدءاً من ملف تشكيل الحكومة وصولاً إلى المطالب التي يريد من مجلس الوزراء الجديد تحقيقها. غير أن الأساس بين كل ذلك، هو الأمر الذي يُراهن عليه باسيل، ويتحدّد بهدف الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون. هُنا، المساعي قائمة بقوة لتعبيد الطريق أمام هذا الهدف، إمّا بمواجهة أو بمُهادنة.
في “ثلاثاء الإستشارات”، كان باسيل واضحاً في إرساء عبارة “الفراغ الرئاسي”، إذ قال إنه “يرفضه”، و “سنقوم بكلّ ما يلزم لمنع حصوله، وعلى الجميع أن يعمل على أساس ذلك”. وإنطلاقاً من هذه المُطالبة، يتّضحُ تماماً أن باسيل يستشعرُ خطر الفراغ، ولهذا يسعى جاهداً لتطويق نفسه سياسياً، لكنه في المقابل لا يريدُ فتحَ جبهاتٍ جديدة، باعتبار أن المسار إلى قصر بعبدا يحتاجُ لتفاهماتٍ داخلية وخارجية، والملفات العديدة المطروحة يجب أن تصبّ نتيجتها في هذا الإتجاه.
من دون أدنى شك، عاد باسيل مجدداً اليوم ليُراهن على تثبيت تحالفه مع “حزب الله” من جهة، ولعدم “إبعاد الأخير” عنه من جهة أخرى. أوّل الإشارات المستجدّة على هذا الصعيد كانت خلال مسار تكليف رئيس للحكومة، إذ ارتضى باسيل عدم اختيار أي شخصية ولا الخضوع لخيار السفير السابق نواف سلام الذي لا يرضى به “حزب الله” لا من قريبٍ ولا من بعيد. بذلك، لم يتجاوز باسيل الخطوط الحمراء الموضوعة بينه وبين الحزب، أي أنه حفِظ ماء الوجه معهُ، في حين أن التباين والإختلاف بين الطرفين “عادي” ومطلوب، وهو أمرٌ عبّر عنه بصراحةٍ عضو تكتل “لبنان القوي” النائب آلان عون قبل يومين بالقول: “الحزب شي ونحنا شي، ونختلف معه في الكثير من الامور”.
هل رهان “حزب الله” على باسيل في مكانه؟

من المعروف تماماً أن تأثيرَ “حزب الله” على المعادلة السياسية قائمٌ بقوّة، ورهانُ باسيل على هذا الأمر كبيرٌ ويتعاظمُ باستمرار. حُكماً، يعتبر رئيس “الوطني الحر” أن الحزب هو بوابة العبور نحو بعبدا، لكن ما لا يعلمه باسيل تماماً هو أنه ليس ميشال عون، في حين أن الحزب حتى الآن، لم يعطِ باسيل أي وعدٍ بالوصول إلى الرئاسة مثلما فعل مع عون قبل سنوات.
مصادر مقرّبة من “حزب الله” تقول لـ”لبنان24″ إن “هذا الحديث لم يطرح نفسه بجدية بعد، ولا وعود حالياً لأي طرف، وحين تدخل الأمور في وقتها، عندها لكلّ حادث حديث”.
عملياً، لا يمكن لـ”حزب الله” اتخاذ قرار المُجازفة باختيار باسيل رئيساً للجمهورية لأسبابٍ عديدة أبرزها أن الأخير “غير مرضى” عليه دولياً، فالعقوبات مفروضة عليه ووصوله إلى الرئاسة سيجعله مكبلاً بطوقٍ كبير سينعكس على لبنان ككلّ.
صحيحٌ أنّ “حزب الله” يريدُ رئيساً للجمهورية ثابتاً على مواقفه الوطنية، لكنه في الوقت نفسه لا يريد شخصية تعاني من القيود. فحريّة الحركة مطلوبة لرئيس الجمهورية في الدول، وإلا ستكون العزلة قائمة ومستمرّة، ما يعني أن 6 سنواتٍ من القحط ستغمرُ لبنان بشدّة.
إضافة إلى السبب الأول، يبرزُ سببٌ آخر يجعل “حزب الله” يعيدُ حساباته بشأن باسيل. ففي حال قرر المضي بخيار الأخير، فإنّ الحزب سيصطدم بقوة مع حلفائه الآخرين مثل “تيار المردة” والجهات الأخرى التي يتقارب ويتوافق معها. وهنا يُطرح السؤال: هل سيُجازف “حزب الله” بوجوده السياسي من أجل رئاسة الجمهورية لصالح باسيل؟

إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال أمرٍ في بالغ الأهمية وهو أنّ وضع “حزب الله” مع جمهوره في هذه المرحلة اختلف تماماً عن السابق. فمن جهة، تبرزُ نقمة غير مسبوقة في أوساط الطائفة الشيعية على باسيل بسبب سلوك الأخير السياسي. أما النقطة التي تتصدّر كل النقاط الأخرى هي أن “حزب الله” في حال قرّر الثبات على باسيل كرئيس، سيواجهُ نقمة كبيرة من جهة رئيس مجلس النواب نبيه بري. هُنا، قد يحدث التزعزع الكبير بين “الثنائي الشيعي”، وبالتالي قد يخسرُ “حزب الله” حليفاً أساسياً لا يمكنه التفريط به بأي شكلٍ من الأشكال.
إذاً، ما يُمكن استنتاجهُ تماماً هو أن رهان “حزب الله” على باسيل، إن حصل، لن يكونَ في مكانهِ أبداً، وكل خطوة سياسية باتت تحتاجُ لقراءة مُعمّقة، وما الطريق نحو الحكومة اليوم إلا دلالة على ما ستشهده المرحلة المُقبلة، ومن خلالها ستنكشف آفاق الأشهر الآتية.