قدّم الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي تشكيلته الحكوميّة الاولى لرئيس الجمهوريّة ميشال عون، بعد يومٍ من إنتهاء الاستشارات النيابيّة غير الملّزمة. وفاجأ الاوساط السياسيّة بالوصول إلى بعبدا، حتّى قبل نهاية الاسبوع. ورغم أنّ بهذه الخطوة أثبت أنّه يعمل بسرعة لتشكيل الحكومة، قُوبلت مبادرته بحملة، يُراد منها التشويش على التأليف، وعلى العلاقة التي تجمعه بعون.
ولم تُصدر بعبدا بياناً أعلنت من خلاله رفضها للمسودة الاولى، على الرغم من كلّ الجدل الذي أُثير يوم الاربعاء، في دلالة على أنّ الرئيس عون درس التشكيلة ووضع ملاحظاته عليها. ويُشير مراقبون إلى أنّ ما قدّمه ميقاتي، أتّى نتيجة الاستشارات مع الكتل. فجميعها دعت للاسراع بتشكيل الحكومة وتسهيل مهمّته. وكان لافتاً أنّ رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل قال إنّه لن يشارك في الحكومة، ولم يتّخذ تكتّله قراراً داخليّاً بعد بهذا الموضوع. ويسأل المراقبون: “هل على الرئيس المكلّف إنتظار إجتماع “لبنان القويّ” ليبني على تشكيلته، وخصوصاً وأنّ الاستشارات الملّزمة من جهة، وغير الملّزمة من جهة ثانيّة، شدّدت على ضرورة ولادة الحكومة قريباً لمعالجة الاوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة؟”
ويُضيف مراقبون أنّ التشكيلة حافظت على أغلبيّة الوجوه الوزاريّة السابقة. ما يعني أنّ الرئيس ميقاتي هدفه إنجاحها، من خلال إدخال بعض التعديلات عليها. فقد قام الوزراء الذين وردت أسماؤهم في المسودة، بعمل جيّدٍ في وزاراتهم، وبشكل خاصّ هؤلاء الذين قادوا المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ويُؤكّد المراقبون على أنّ المحافظة على وجودهم، لاتمام الاتّفاق النهائيّ مهمّ، فالاتيان بوزراء جدد سيُؤخّر حتماً الخطّة الاقتصاديّة، والتفاهم مع الجهّات الدوليّة.
أمّا عن إستبدال إسم وزير الطاقة، فيرى مراقبون أنّ وزراء “التيّار” لم ينجحوا منذ توليهم حقيبة “الطاقة” في تأمين “الكهرباء، ولا حتّى المياه. فلم لا تُعطى الفرصة لوزير جديدٍ؟ ويسألون: “بعد الاحتجاجات التي رافقت 17 تشرين الاوّل 2019، طالب العديد من المواطنين إدخال مبدأ الكفاءة والمحاسبة لكلّ الوزراء، فإذا فشل أحدهم، هل يجب أنّ يبقى في وزارته لانّ الفريق السياسيّ الذي يدعمه يريد ذلك، فيما التغذيّة الكهربائيّة لم تُؤمّن، والمواطنون يدفعون فاتورة المولّدات التي هي أعلى بكثير من الكهرباء؟”
ويلفت مراقبون إلى أنّ الذين انتقدوا شكل التشكيلة، وسرّبوها للاعلام، تناسوا أنّ الانتخابات أفرزت وجوها نيابيّة جديدة، وغابت أخرى عن المشهد السياسيّ، ما ينعكس حكماً على التمثيل الحكوميّ. فقد أعلن تكتّل “الاعتدال الوطنيّ” على سبيل المثال رغبته بالدخول إلى الحكومة، وهو ما تُرجم بورود إسم النائب سجيع عطيّة. في المقابل، تمّ تبديل إسم وزير المهجرين في حكومة تصريف الاعمال المحسوب على “اللقاء الديمقراطي”، بإسم درزيّ آخر في وزارة الصناعة. فأليس هذا المنطق في عمليّة التشكيل بعد 15 أيّار، وبعد إعلان كلّ كتلة عن موقفها من المشاركة أو لا؟
ويُتابع مراقبون أنّ ما أزعج البعض، هو أنّهم يُطالبون بالتسريع في تشكيل الحكومة، ولكّن يتخوّفون من فراغ رئاسيّ بعد 31 تشرين الاوّل المقبل. فمرادهم أنّ يستحوذوا على أكبر عدد من الوزارات السياديّة، وهيمنتهم على القرار الحكومي عبر الثلث الضامن، لتثبيت وجودهم، وخصوصاً إذا تعذّر إنتخاب رئيس جديدٍ، وحلّ الفراغ في قصر بعبدا.
ويقول مراقبون إنّ الانتقاد جاء من جهّة واحدة معروفة. بينما، لم تُعلّق “المعارضة” حتّى اللحظة. في السيّاق، يعتبر مراقبون أنّ التشكيلة حافظت على الوزارات الشيعيّة، وهو الامر الذي لن يلاقي رفضاً من “الثنائيّ الشيعيّ”، ولا حتّى من “اللقاء الديمقراطي” الذي اقترح إسم وزير التربيّة في الحكومة السابقة، ولم تَعتبر أوساطه أنّ الاسم الثاني يُشكّل إستفزازاً له.
ويُجدّد مراقبون التأكيد على أنّ ميقاتي قدّم مسودته سريعاً، إفساحاً للمجال للتشاور مع الرئيس عون، ومع باقي الافرقاء. وليس صحيحاً أنّها فُرضت على رئيس الجمهوريّة، والدليل الاقرب الاجتماع الصباحي اليوم بين عون وميقاتي للتشاور في التشكيلة. فالهدف الاوّل الذي أراده الرئيس المكلّف بحسب المراقبين تقليص التعقيدات التي قد تُؤخّر ولادة الحكومة. فهو قَبِل بالتكليف للتأليف. وتشكيلته الاولى لم يقدّمها كي تُقبل في الحال، وإنّما بهدف الاسراع بالتشاور مع المعنيين، وإدخال التعديلات المطلوبة فيها، وخصوصاً حول الاسماء وتوزيع الحقائب والمذاهب التي أُدرجت في التصوّر الحكوميّ الاوّل. ويختم المراقبون أنّ على الافرقاء الالتزام بتسهيل التأليف، فموعد الانتخابات الرئاسيّة يقترب، وكلّ عرقلة ستحول دون تشكيل حكومة جديدة.