يحاول البعض، وكما في كل مرّة، أن يوحي بأنه يملك المفتاح السحري لفتح باب تشكيل الحكومة. ولهذا السبب عارض تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة. هو يعرف أن الرجل لا يسير بـ”الهوبرة” أولًا، ولأنه يعرف جيدًا أن من قبِل حمل كرة النار بيديه يعي تمامًا أين تبدأ صلاحيات الرئيس المكّلف وأين تنتهي، وأين تبدأ صلاحيات غيره وأين تنتهي، ويدرك ما هو الأفضل لمصلحة لبنان دون سواها من المصالح الرديفة.
وإستنادًا إلى هذه المحاولات، التي باتت مكشوفة، فإن هذا البعض يتولى “مهمة” إشاعة أجواء تشاؤمية في البلاد من شأنها أن تزيد من إحباط الناس وتدفعهم إلى اليأس والقنوط. وأصحاب هذه “المهمة” لا ينفكّون يسرّبون، ومن خلال “ابواقهم” أن الرئيس المكّلف لن يتمكّن من تأليف الحكومة، وأنه سيبقى رئيسًا مكّلفًا ورئيسًا لحكومة تصريف الأعمال حتى نهاية العهد الحالي.
المؤسف في الأمر أن ثمة قوى سياسية وكتل نيابية كبرى تقع من حيث لا تدري في شراك مخططات هذا البعض. وقد بدا هذا الأمر واضحًا من خلال عدم تسمية أي شخصية سنّية لترؤوس الحكومة، ومن بعدها رفض المشاركة في أي حكومة، وبالأخصّ حكومة ما يُسمّى بحكومة “الوحدة الوطنية”، والتلميح بعدم منح الحكومة الثقة متى ُشكّلت.
هذا الأمر، وإن كان محبطًا بعض الشيء، لن يؤثّر على مسار التأليف. فالدليل الحسي لدحض محاولات هذا البعض وتماهي البعض الآخر معه أن الرئيس المكّلف، وبعدما إستمع إلى آراء جميع النواب، أعدّ مسودّة لصيغة حكومية جديدة تحاكي الواقع المأزوم بخطة واضحة الأهداف والمرامي، وعرضها على رئيس الجمهورية، على أن يناقشانها بالتفصيل وفق الآليات المعتمدة دستوريًا، من حيث الشكل والمضمون، قبل الشروع بإسقاط الأسماء على الحقائب المقترحة على اساس التوافق على شكلها، سواء أكانت سياسية أو تكنوسياسية أو تكنوقراط.
فإذا لم يدخل على خط بعبدا – السراي أي عامل سلبي من خارج الأصول الدستورية، التي تحصر عملية تشكيل الحكومة برئيس الجمهورية والرئيس المكّلف فقط لا غير، فإن مسألة التأليف ستسلك الطريق السليم، وذلك نظرًا إلى أن لا أحد يملك ترف الوقت الضاغط أولًا، وإلى أن الأوضاع الإقتصادية المتدهورة لا تسمح بأن يمارس هذا البعض “الحرتقة” السياسية ثانيًا.
وعلى رغم نفي هذا البعض تدّخله في عرقلة قيام الحكومة بالسرعة المطلوبة، وعدم وضعه أي شرط أو فرضه أي مطلب، فإن التجارب السابقة أصدق من بيانات النفي، خصوصًا أن هذا البعض قد أصبحت لديه المهارة الكافية لإلصاق ما فيه بالآخرين، وإتهامهم بالكذب وتلفيق الأخبار.
بعد يومي الإستشارات النيابية غير الملزمة، وبعد تصريح مقتضب له أمل فيه أن تبصر الحكومة النور قريبًا، إنصرف الرئيس ميقاتي مستفيدًا من كل ملاحظة سمعها خلال هذين اليومين إلى إعداد الصيغة الحكومية التي يراها مناسبة لمثل هكذا ظروف إستثنائية تعيشها البلاد وعرضها على الرئيس عون، الذي ستكون له ملاحظات ستؤخذ في الإعتبار، إنطلاقًا من حتمية تكامل الأدوار الدستورية.