من غير الطبيعي ألا يكون لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ملاحظات على التشكيلة الحكومية التي قدّمها إليه الرئيس المكّلف نجيب ميقاتي. ولكن ما هو غير طبيعي وغير منطقي أن تدخل على خطّ مشاورات بعبدا عوامل سلبية من الأرجح أن يكون لها تأثيرات معاكسة على مسار التأليف.
ما إقترحه ميقاتي جاء منسجمًا مع ما كان أعلن عنه في أكثر من مناسبة عندما كان يعرب عن إرتياحه لأداء عدد كبير من وزراء حكومة “معًا للإنقاذ”. وكان يُفترض أن تتوقّع دوائر القصر الجمهوري هكذا تشكيلة لحكومة لن تعمّر أكثر من ثلاثة أشهر في حال سار المسار التأليفي طبيعيًا، ومن دون أن تعترض طريقه مطبّات غير محسوبة في نظر الذين يريدون أن يأكلوا في نهاية المطاف عنبًا أكثر من إهتمامهم بما يفعله الناطور المفترض به أن يسهر على كرمه ويمنع اللصوص من سرقة الكرم.
ما يجري تداوله بين الرئيسين عون وميقاتي في اللقاءات التشاورية المغلقة ملك لهما وحدهما، وبالتالي لا يحقّ لأي طرف آخر التكلم بإسمهما عمّا يدور في هذه اللقاءات الثنائية. فإن ما يصدر رسميًا عن القصر الجمهوري والسراي من بيانات هو ما يُعتدّ به، على أن تبقى كل التسريبات الأخرى مجرد دخول على الخطّ في محاولة لخربطة ما يمكن أن يتفاهم عليه الرئيسان، أو بالحدّ الأقصى لخربطة العلاقة الجيدة بينهما.
فالتباين في وجهات النظر بالنسبة إلى هذه التشكيلة الحكومية أو أي تشكيلة أخرى أمر طبيعي. وهذا ما ينصّ عليه الدستور من حيث تكاملية أدوار كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكّلف وفقًا للصلاحيات المُعطاة لكل منهما.
لم يكن الرئيس ميقاتي الذي أراد من هذه التشكيلة السريعة إختصار الوقت، “الذي لا نملك ترفه”، يتوقع أن يوافق رئيس الجمهورية وفريق عمله والمحيطون به والمقرّبون منه الموافقة الفورية عليها.
الرئيس المكّلف كان يعرف أن الموافقة التلقائية على التعديلات التي أجراها على الحكومة القائمة لم تكن واردة في ذهنه، لأنه كان يتوقع ردّة فعل رئيس الجمهورية في عملية تبديل بعض الوزراء الحاليين ولاسيما أولئك المحسوبين على “التيار الوطني الحر”.
أمّا الملاحظة الثانية التي كانت متوقعة فهي تتعلق بما أوحي به لناحية تجاوز رغبة رئيس الجمهورية بحكومة سياسية تحظى بغطاء سياسي لما تتطلبه المرحلة من قرارات واجراءات مصيرية كخطة التعافي واعادة هيكلة المصارف ورفع السرية المصرفية و”الكابيتول كونترول” وغيرها.
لكل هذه الملاحظات جواب. وهذا ما يُفترض أن يكون قد تمّ طرحه في الإجتماع التشاوري الثاني بين الرجلين، على أن يبقى باب الحوار مفتوحاً في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة، وهذا ما أشار إليه البيان الذي صدر عن المكتب الإعلامي للقصر الجمهوري.
كل المسألة تُختصر بأن لبنان الواقف على “الشوار” لا يملك الكثير من الخيارات، وقد يكون أحلاها مرًّا كالعلقم. فلا وقت أمامه لإضاعته فيما اللبنانيون يقفون عند مفترق التسويات الدولية والإقليمية ينتظرون ما يمكن أن ينالوه من إهتمام قد يكون في مستوى أزماتهم العميقة .