الصلاحيات الرئاسية للحكومة: فوضى اجتهادات دستورية

2 يوليو 2022
الصلاحيات الرئاسية للحكومة: فوضى اجتهادات دستورية


كتبت” الاخبار”: منذ لحظة تكليف ميقاتي تشكيل حكومة جديدة، كان واضحاً بأن الأمر مُحاط بصعوبات كثيرة تمنع تحقيقه. وإلى جانب ذلك، بدأ التداول بخيارات أخرى، من بينها: توسيع الحكومة الحالية وإدخال من يُريد المشاركة من القوى السياسية، وتحديداً تلك التي دخلت إلى المجلس النيابي بعد الانتخابات الأخيرة، أو تقديم تشكيلة جديدة تضم الأسماء نفسها في حكومة تصريف الأعمال الحالية وتشتمِل على تعديلات لأسماء بعض الوزراء، مع تغيير في بعض المواقع والتوازنات.

هذا المناخ برز بقوة في الأيام الأخيرة، وعزّزه وجود نيّة لدى بعض القوى السياسية بعدم تأليف حكومة، لترك عهد الرئيس ميشال عون يُختتم بأقصى درجات الفوضى الاقتصادية والاجتماعية والأهلية. وذهب النقاش للسؤال عمّا بعد الفراغ الرئاسي وكيفية انتظام المؤسسات في غياب رأس الدولة؟ من سيحكُم البلد، وهل تستطيع الحكومة إن كانت مكتملة الصلاحيات أو حكومة تصريف أعمال أن تتولّى هي الحُكم؟ من هي الجهة التي ترسّم حدود عملها وصلاحياتها في غياب الرئيس؟
مناسبة الحديث عن الجدال الدستوري، هو بدء بعض القوى السياسية البحث عن اجتهادات دستورية تؤكّد بأن «حكومة تصريف الأعمال الحالية تستطيع ممارسة كل صلاحيات الرئيس». وهذا الأمر لا يرتبط بحكومة مكتملة الصلاحيات، حيث «يستند ذلك إلى المادة 62 من الدستور، وهي تشير إلى أن مجلس الوزراء يتسلّم صلاحيات الرئيس نيابة عنه»، أي كلّها.
ن دون تحديد ما إذا كان يتحدث عن حكومة تصريف الأعمال أو الحكومة الجديدة. وتقول مصادر دستورية إن «الأمر مختلف في هذه الحالة»، وهو ما نجم عنه تخبّط عشوائي دستوري، يحسمه الأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوري الدكتور وسام اللحام بالقول إنه «في حال تشكّلت الحكومة ونالت الثقة، نكون أمام حكومة مكتملة الصلاحيات تستطيع أن تمارس صلاحيات الرئيس في حالة الشغور»، إلا أن الأمر «مختلف في ما يتعلق بالحكومة المستقيلة التي لا تستطيع أن تمارس كل صلاحياتها، فكيف بإمكانها أن تتسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية»، معتبراً أن «بإمكانها التذرّع ببعض الظروف الملحّة لتغطّي ممارسة بعض الصلاحيات».أما الوزير السابق زياد بارود، فيتناول الجدال بالإشارة إلى المادة 68 من الدستور، مبدياً بعض الملاحظات؛ من بينها أن «نص المادة لا يُميّز بين حكومة مكتملة الصلاحيات أو حكومة تصريف أعمال»، معتبراً أنه «بين تصريف الأعمال والفراغ الكامل، من الأفضل أن تكون هناك جهة بالبلاد تتولّى زمام الأمور»، وأضاف إن «المادة الدستورية لا تسمح بفراغ كامل، وإنما هي تملأ الفراغ». كما يستند بارود إلى «المادة 64 من الدستور التي تقول بأن الحكومة لا تمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال» من دون تحديد الأعمال. ويتطرق من هنا إلى اجتهادات لمجلس شورى الدولة أطلقها في عامَي 1969 و1995 وتعرّض فيهما للمعنى الضيق، حيث ميّز بين الأعمال الإدارية والأعمال التصرفية، وهي تعني الأمور الملحة التي ترتبِط بسلامة البلاد وأمنها أو ترتبط بمهل دستورية، لكن لا تستطيع الحكومة أن ترتّب أعباءً مالية على الحكومة التي تأتي بعدها»، علماً بأن «توسيع الصلاحيات يتوفر بقدر توافر التوافق السياسي على ذلك».
وفيما جرى التداول بمعلومات عن التحضير لاجتهادات دستورية «مُضادة»، استغربت مصادر قريبة من الرئيس ميشال عون الكلام عن الفراغ، متسائلة «لماذا لن تكون هناك انتخابات رئاسية في بلد مثل لبنان، استطاع قبل أقل من شهرين إجراء الانتخابات النيابية في موعدها». مع ذلك، أكدت المصادر أن «انتقال الصلاحيات يجِب أن تذهب إلى الأصيل لا إلى الوكيل»، مشيرة إلى أن «الصلاحيات وفقَ الدستور تنتقِل إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، لا إلى الحكومة». فالحكومة في حالة تصريف الأعمال «لا تجتمع، أما مجلس الوزراء فعندما يمارس صلاحيات الرئيس عليه أن يتخذ القرارات بالتوافق، وبتصويت الغالبية أو الأكثرية». وقالت المصادر إن «حكومة مكتملة الأوصاف الدستورية تحاكي الضرورات القصوى لأخطر أزمة معيشية، اقتصادية ومالية يعيشها لبنان يجب أن تكون الخيار الوحيد من أجل إقرار إصلاحات تواكب اتفاق صندوق النقد وغيرها من الملفات». ورأت المصادر أن «البحث عن اجتهادات دستورية تكرّس السلطة في يد حكومة تصريف الأعمال تعتمده بعض القوى السياسية التي تريد أن تحفظ سلطتها ونفوذها في ظل الفراغ الرئاسي، وهي من تمنع وستمنع تأليف حكومة جديدة».يوضح خبراء دستوريون لـ«البناء» أن «إحياء أو تفعيل الحكومة المستقيلة كان ممكناً قبل اتفاق الطائف، لكن بعد الطائف هناك إجراءات دستورية لتأليف الحكومات الجديدة تبدأ باستشارات نيابية ملزمة في بعبدا للكتل النيابية ثم يبدأ الرئيس المكلف بالتأليف ثم يوقع رئيس الجمهورية مراسيم تشكيل الحكومة وتذهب للمجلس النيابي لنيل الثقة وفق بيانها الوزاري، ما يعني أن الحكومة مستقيلة فور نهاية ولاية مجلس النواب وفق المادة 53 وبالتالي لا يمكن إحياء حكومة مستقيلة».كما تطرح إشكالية دستورية قد تعيق تأليف الحكومة أو نيلها الثقة وتحوّلها الى حكومة أصيلة، وهي تحول المجلس النيابي الى هيئة ناخبة فور بداية الستين يوماً التي تسبق نهاية ولاية رئيس الجمهورية الحالي، وبالتالي لا يستطيع المجلس النيابي في هذه المدة ممارسة أعمالها المعتادة باستثناء انتخاب رئيس للجمهورية. ما يطرح السؤال ماذا لو طال أمد تأليف الحكومة حتى 31 آب المقبل؟ كيف ستنال الحكومة الثقة؟ وهل تبقى حكومة معلقة على نيل الثقة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين أوضح هذا الامر لـ«البناء» معتبراً أن «ما نصت عليه المادة ٧٥ من الدستور بأن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر، يتعلق بالجلسة المعنية المخصصة بموجب دعوة رئيس البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، وليس بجميع جلسات البرلمان التي تنعقد خلال المهلة الدستورية المحددة لانتخاب رئيس الجمهورية والمنصوص عليها في المادة ٧٣ من الدستور».