يرفض اللبنانيون بأغلبيتهم الساحقة، ونحن منهم، تصديق ما يتمّ تداوله من معلومات إعلامية عن إستبعاد التوصّل إلى توافق سياسي على تشكيل حكومة “الفرصة الأخيرة”.
هذا الجو التشاؤمي السائد والمعمّم يعكس رغبة لدى البعض في إبقاء الوضع في البلاد على ما هو عليه إلى حين نضوج “طبخة” رئاسة الجمهورية. فهذه الرغبة تطغى على ما عداها من أمور ملحّة لا يمكن تأجيلها، بإعتبار أن الوضع الإقتصادي لم يعد يحتمل المزيد من إضاعة الوقت.
قد يكون قد سها عن بال الذين لا يرون في الوقت الراهن أن تشكيل الحكومة، وبسرعة قياسية، ضرورة حتمية ، أن الإنتخابات الرئاسية قد لا تحصل، خصوصًا إذا لم يحن آوان التسوية الدولية – الإقليمية. فالعيون شاخصة على ما يمكن أن تحقّقه زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة العربية السعودية والمنطقة. وعلى نتائجها، سلبية كانت أم إيجابية، يمكن توقّع ما ينتظره لبنان في المراحل الآتية.
ولكن، وفي مثل وضع لبنان الراهن وما يعيشه من أزمات متتالية لا يمكن الرهان على تسويات خارجية يمكن أن تتمّ ويمكن ألا تتمّ. فالذي “يأكل” العصي ليس كمن يعدّها، ومن يده في النار ليس كمن يده في الماء.
وعليه، فإن تشكيل الحكومة في هذا الوقت الضائع أولوية لا تعلوها أولوية أخرى. ذلك نظرًا إلى ما ينتظره اللبنانيون أن تحقّقه هذه الحكومة “القصيرة العمر” على إفتراض أن الإنتخابات الرئاسية حاصلة لا محال في موعدها الدستوري.
ما ننتظره من هذه الحكومة قليل من كثير. ننتظر إستكمال ما بدأته حكومة “معًا للإنقاذ” في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، بالتوازي مع تسريع العمل التشريعي بالنسبة إلى إقرار موازنة العام 2022، وإقرار قانون “الكابيتول كونترول” بعد إدخال ما يراه النواب، وبالأخص الجدد منهم، ما يرتأونه مناسبًا من تعديلات تصبّ في مصلحة المودعين، فضلًا عن السير بخطة التعافي الإقتصادي، التي توضحّت معالمها الحقيقية في جلسة لجنة المال والموازنة الأخيرة، وفي حضور الرئيس المكّلف نجيب ميقاتي، الذي أجاب عن كل الإستفسارات التي طرحها النواب، تمهيدًا لإعادة صياغتها من قبل الحكومة الجديدة في ضوء الملاحظات التي سيتمّ الأخذ بها، وبالأخصّ بالنسبة إلى موضوع توزيع نسب الخسائر.
لكل هذه الأسباب مجتمعة إستعجل الرئيس ميقاتي تقديم تشكيلته الحكومية، وهو منفتح على ما يمكن أن يُقترح عليه من تعديلات منطقية وتكون منسجمة مع ما يمكن أن تقوم به هذه الحكومة من مهام ضرورية وأساسية، وبصورة خاصة بالنسبة إلى إستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
فمن دون هذه المفاوضات وما يمكن أن تُسفر عنه من نتائج عملية وسريعة لا يمكن لبنان أن “يفشخ فشخة” واحدة في عملية بدء إستعادة عافيته، ولو تدريجيًا، مع ما تشكّله هذه النتائج من تحفيز للدول المانحة من إعادة صياغة ما يجب صياغته بالنسبة إلى أولوية أولويات الحاجات اللبنانية الكثيرة.
فهذه المفاوضات هي المفتاح الرئيسي للأبواب العربية وللإستثمارات المنتظرة، من الخارج ومن الداخل، تمهيدًا لإعادة الدورة الطبيعة لعجلة الإقتصاد اللبناني.
وبالتوازي، يُنتظر أن يواكب مجلس النواب تسريع الخطى على مستوى السلطة التنفيذية في حال لم تطرأ معوقات، منها ما هو منتظر ومنها ما هو غير منتظر، على مشاورات التأليف، بإقرار سلسلة قوانين إصلاحية، هي بمثابة شروط لازمة لبدء عملية التعافي المسندة بمساعدات مبرمجة من قبل لصندوق الدولي، وبما سيأتي لاحقًا من مساعدات وقروض من الدول الشقيقة والصديقة للبنان.