رسالة غير مشفّرة لـ”حزب الله”…

5 يوليو 2022
رسالة غير مشفّرة لـ”حزب الله”…


الكلام الذي صدر بالأمس على أثر لقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وزير الخارجية عبدالله بو حبيب حول تجديد لبنان دعمه مساعي الوسيط الأميركي للتوصل الى حل يحفظ كامل الحقوق اللبنانية كان له أثر إيجابي في الأوساط الديبلوماسية، التي تهتمّ بوضع لبنان ومصالحه ربما أكثر بكثير من بعض اللبنانيين. 

وفي موقف حاسم وجازم تمّ التأكيد “أن لبنان يعتبر أن أي عمل خارج اطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي الذي تجري المفاوضات في اطاره غير مقبول ويعرّضه لمخاطر هو في غنى عنها . من هنا نهيب بجميع الاطراف التحلي بروح المسؤولية الوطنية العالية والالتزام بما سبق وأعلن بأن الجميع من دون استثناء هم وراء الدولة في عملية التفاوض”. 
هذا الموقف المعبّر جاء على اثر دخول “حزب الله” في شكل علني ومباشر وقوي على خط مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، وهو دخول تكرر في فترة وجيزة لمرتين: الأولى، قبل أسابيع عندما أطلق الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله موقفًا تحذيريًا، وقال في خطاب خصصه لهذا الموضوع إن على إسرائيل أن تنتظر نتيجة المفاوضات قبل المباشرة بنشاط إستخراج النفط والغاز من حقل “كاريش”، وإن “حزب الله” يملك القدرات لمنعها من العمل في “كاريش”، وكل إجراءاتها لن تقدر على حماية المنصات، وعلى السفينة اليونانية أن تنسحب والا تتورط في العدوان على لبنان، و”يكفي أن نرسل فوقها مسيّرات حتى تعرف ما الذي يجري الحديث عنه، والمقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام نهب ثروات وكنز لبنان، وكل الخيارات مفتوحة ومطروحة أمامها”. 
 المرة الثانية، قبل أيام معدودة، عندما أرسل “حزب الله” ثلاث مسيّرات في اتجاه حقل “كاريش” ومنصة إستخراج الغاز في مهمة إستطلاعية، وأعلن ذلك في بيان رسمي هو الأول من نوعه، وختمه بالقول:”الرسالة وصلت”.  
فهذه الخطوة الأمنية – العسكرية تُعّد ترجمة عملية لموقف نصرالله وتعكس إستعدادًا للمضي قدمًا في هذه العمليات جاءت في  توقيت سياسي له علاقة بأمرين: الأول يتعلق بملف الترسيم والرد الإسرائيلي الذي أبلغ عبر الوسيط الأميركي الى الجانب اللبناني، والثاني يتعلق بفشل جولة المفاوضات الأخيرة التي جرت في الدوحة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية حول الإتفاق النووي. وينطوي الأمر على رسالة غير مباشرة من إيران الى الأميركيين بأن لديها قدرة على خربطة خططهم في المنطقة.  
أما الرسائل التي حملتها المسيّرات الثلاث، فإنها تتوزع في ثلاثة إتجاهات:  
الرسالة الأولى، وهي الأوضح والأبلغ، الى إسرائيل ومفادها أن من هو قادر على إرسال طائرات غير مسلحة في مهمة إستطلاعية، يمكنه أن يرسل مسيّرات مسلّحة في مهمة قتالية، وأن على إسرائيل أن تقرأ الرسالة وتتوقف عن إستخراج الغاز طالما حتى يتم التوصل الى إتفاق مع لبنان حول الترسيم أولًا.  
الرسالة الثانية موجّهة إلى الأميركيين، وكخطوة إعتراضية على الطريقة التي يدير الوسيط أموس هوكشتاين ملف الترسيم وانحيازه الى إسرائيل، خصوصا بعدما إعتبر “حزب الله” أن الرد الإسرائيلي على المقترحات اللبنانية التي حملها هوكشتاين كان سلبيًا وغير مقبول.  
الرسالة الثالثة الى الدولة اللبنانية، وتحديدًا الى الجانب اللبناني المفاوض، وفحواها أن خطوة إرسال المسيّرات تندرج في إطار قواعد اللعبة وسياسة الردع والتوازن، ومن شأنها ان تقّوي الموقف التفاوضي اللبناني الذي عليه أن يوظف ورقة القوة هذه في المفاوضات لإحداث تحّول في مسارها وعدم الوقوع تحت تأثير التهويل الأميركي والضغط الإسرائيلي، وكلاهما مبنيان على حاجة لبنان الماسة الى ثروته البحرية واستخراجها، وعدم قدرته على الرفض والمواجهة بسبب أوضاعه الإقتصادية المتردية والإنقسامات السياسية. 
الواضح أن “حزب الله” يلعب “على حافة الهاوية” لأنه لا يريد السقوط فيها ولا يريد الحرب. وهذه “اللعبة” يستسيغها الحزب ويحتاج إليها بعد سنوات صعبة ألحقت بصورته ورصيده وبـ”مشروع المقاومة” ضررًا بالغًا، بدءًا من أحداث 7 أيار 2008 الى القتال في سوريا الى توسيع أنشطته في اتجاه العراق واليمن، والصدامات المتكررة مع دول الخليج.  
وما الكلام الصادر عن لقاء ميقاتي – بو حبيب سوى إعادة إعتبار إلى دور لبنان الديبلوماسي، خصوصًا أن الموقف اللبناني الذي تمّ إبلاغه إلى المفاوض الأميركي كان موقفًا موحدًّا، وجاء نتيجة إجماع لبناني تمّ التوافق عليه، وبعلم “حزب الله” بالتحديد، خصوصًا أن في هذا الكلام إشارة واضحة إلى “أن المفاوضات الجارية بمساعي من الوسيط الأميركي قد بلغت مراحل متقدمة”.
فهل ثمة من لا يريد أن تحقّق هذه المفاوضات النتائج المرجوة؟