“خفايا الإرتباك الإسرائيلي”.. خطواتٌ تُبعد الحرب وهذا ما ينتظر “حزب الله”

7 يوليو 2022
“خفايا الإرتباك الإسرائيلي”.. خطواتٌ تُبعد الحرب وهذا ما ينتظر “حزب الله”


ما يُمكن قوله بكلّ بساطة هو أنّ “الإرتباك” الإسرائيلي وصل إلى حدودٍ غير متوقعة بشأن ملف الغاز وترسيم الحدود البحرية مع لبنان. حتماً، المشكلة كبيرة، وما يظهر هو أنّ تل أبيب دخلت مرحلة الخطر، وقد باتت في حيرة من أمرِها إزاء تعاملها مع الملف الشائك الذي يضغط عليها كثيراً.

يوم الثلاثاء، شكّلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد إلى فرنسا، “إنتكاسة جديدة” لإسرائيل بكلّ ما للكلمة من معنى. فمن الإليزيه، طالب لابيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتدخّل لـ”إنقاذ محادثات الغاز”، وهو أمرٌ يكشف بكل ثقة عن “ضعفٍ” إسرائيلي غير معهود، كما أنهُ يبرزُ عجزاً متتالياً لتل أبيب عن تنفيذ أي عُدوانٍ ضدّ لبنان، باعتبار أنّ السّبل لذلك غير واضحة، كما أن المُجازفة كبيرة وستؤثر على مصالح إسرائيل الاقتصادية.
من دون أدنى شك، باتت إسرائيل  أمام سيناريوهات عديدة ويتوجب عليها حسم قرارها. فمن جهة، تريدُ أن تستخرج الغاز من دون أن يحصل لبنان على حقوقه، ومن جهة أخرى لا يمكنها القفزُ فوق المطالب الأميركية المتمثلة في تحصين حقول الغاز وبدء التصدير لأوروبا بعد شهر أيلول المُقبل. أما الأمر الأهم في كل ذلك، هو أنّ إسرائيل لم تجد أي حلّ لمواجهة تهديدات “حزب الله” لها، وهنا المشكلة الأكبر.
إسرائيل ترضخ و “تستفز”
في ظلّ كل الضياع البارز، فإن النقطة الأخيرة المُرتبطة بـ”حزب الله” هي التي وضعت إسرائيل على طريق الدبلوماسيّة. فمن وجهة نظر المراقبين المتابعين لملف ترسيم الحدود، بات واضحاً أن القيادة العسكريّة الإسرائيلية أصبحت مُرغمة للضغط نحو تقليل الأخطار التي تطال التنقيب عن الغاز قدر الإمكان. ولهذا، عدّل رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد جدول زيارته إلى فرنسا، فأضاف عليها بند لبنان ومحادثات الغاز، وهو أمرٌ أظهر، وبكلّ بساطة، أن إسرائيل “عاجزة” عن التحرّك في ملف لبنان، وغير قادرة على حماية مصالحها من دون وساطةٍ دولية.
إلا أنه في المقابل، فإنّ إسرائيل راحت تستفزّ لبنان بالأوروبيين. بالنسبة لهؤلاء، فإن الحصول على الغاز الإسرائيلي بأسرع وقت ممكن، هو المبتغى الأساس في هذه المرحلة الضاغطة، وبالتالي فإن أي تأخير أو عامل ضغط على هذا الملف، يعني تحدياً لأوروبا بشكل أساس. الصورةُ هذه نقلتها إسرائيل إلى الإليزيه، لكنّ الأمر يرتبطُ بكيفية تلقف أوروبا لتلك الرسالة وتفسيرها، لاسيما أن هناك حرصاً أوروبياً على استقرار لبنان من جهة، ومساعدته من جهة أخرى لتخطّي العقبات التي يواجهها.
ضغطٌ فرنسي على “حزب الله”؟
بالنسبة لإسرائيل، قد يكون التدخل الفرنسي مع لبنان ذا فعاليةٍ جيّدة. فباريس، كان لها دورٌ كبير في الداخل اللبناني خلال السنوات الـ3 الأخيرة وتحديداً بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020. إضافة إلى ذلك، يحظى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باحترامٍ لبناني كبير، كما أن له تأثيرٌ على مختلف الأقطاب السياسيين. إلا أنه مع كل ذلك، ثمة تساؤلات عديدة تطرحُ نفسها في سياق القضية وهي على النحو التالي: كيف يُمكن لفرنسا أن تتحرّك مع لبنان؟ ما هي الضمانات التي قد تحصل عليها منه في سبيل إسرائيل؟ هل ستنقلب العلاقة الفرنسية – اللبنانية نحو السلبية؟ هل بإمكان فرنسا أن تُغامر باستقرارها من خلال الغاز من أجل لبنان؟
بشكل أو بآخر، فإنّ السعيَ الفرنسي مع لبنان قد يتركّز بشكل مباشر عبر مُبادرة جديدة عنوانها الحدود البحرية والغاز، على أن تكون تلك الوساطة الفرنسية مُرادفة للوساطة الأميركية التي يقودها الوسيط آموس هوكشتاين. إلا أنه في الواقع، فإنّ إطار التحرك الفرنسي سيكونُ أشملَ وأوسع، وسيطالُ “حزب الله” بالدرجة الأولى، باعتبار أن الأخير على علاقة جيّدة مع باريس في المرحلة الأخيرة. على الصعيد السياسيّ، قد يكونُ السعي الفرنسي مع لبنان واضح المعالم، وقد يُترجم بزيارة لمسؤول فرنسي رفيع المستوى إلى لبنان قريباً من أجلِ “تهدئة الأجواء” مع إسرائيل بشأن محادثات الغاز، وبحسب المعلومات فإن إتصالات تُحضر على هذا الصعيد قد بدأت خلال الساعات الماضية.
 أما الأمر الأهم فيرتبطُ بمدى قدرة فرنسا على التأثير على “حزب الله” وثنيه عن القيام بأيّ عملٍ ضدّ المصالح الإسرائيلية في حقول الغاز، لكن السؤال الأساس هنا هو التالي: هل سيرضخُ “حزب الله” للشروط الفرنسية؟
تقول مصادر مقربّة من الحزب لـ”لبنان24″ إنّ “المساومة على حقوق لبنان أمرٌ ممنوع مهما كلّف الأمر”، وأضافت: “صحيحٌ أن التواصل مع الفرنسيين موجود والأمرُ هذا ليس مخفياً عن أحد، إلا أن حقوقنا الوطنية تبقى في طليعة الأمور كلها، والمعادلة واضحة: لا غاز في إسرائيل طالما أن لبنان ما زال من دون غاز”.
في الحقيقة، قد يركّز السعي الفرنسي باتجاه “حزب الله” على نقطة أساس وهي أن يلتزم الحزبُ بعدم الإقدام على أيّ عملٍ مُسلح اتجاه إسرائيل، في حين أن الأخيرة ستلتزمُ بإطار المفاوضات القائمة. إلا أنه بالنسبة للمصادر، فإنّ هذا الأمرُ لا يكفي، بمعنى أن إلزام إسرائيل بمفاوضات لا تشملُ وقف التنقيب عن الغاز في “كاريش”، هو أمرٌ لا يُسمن ولا يغني من جوع، ولا يقدّم للبنان أي تطوّر مطلوب، كما أنه لا يحفظ حقوقه.
هُنا، دخل لبنان مرحلة ضاغطة. فمن جهة، إذا أصرّ على وقف إسرائيل التنقيب عن الغاز، فإنه بذلك سيكون قد تحدّى الأوروبيين الذين يتوقون للحصول على ذلك الغاز. وبحال استمرّ التنقيب كما هو الآن، فإنّه بذلك سيكون قد خسر المعركة، وسيجدُ “حزب الله” نفسه أمام ردّ حتمي قد يقود نحو حرب. عند هذه النقطة، يُصبح الضغط على “حزب الله” كبيراً، وهذا الأمرُ لا يتناسب وسط المساعي القائمة لتهدئة الأجواء المتوترّة.
ما الحلّ؟
دبلوماسياً، وبما أن كل الأطراف “مستعجلة” للحصول على الغاز، فإنّ الأمر يستوجبُ مساراً واضح المعالم. بشكل أساسي، فإن موقف لبنان واضحٌ جداً بشأن ترسيم الحدود، وهو أنّ الخط 23 يجب أن يكونَ أساسياً ولا تراجع عنه، في حين أنّ المفاوضات يجب أن ترتكز على المنطقة المتنازع عليها بين الخطين 23 و 29. أما النقطة الأهم والأبرز هو أنّ مطلب لبنان واضحٌ بشأن وقف عمليات التنقيب الإسرائيلية ضمن حقل كاريش ريثما ينتهي التفاوض بشأنه. هنا، قد يكون للأوروبيين دورٌ في تسريع تلك المفاوضات، وقد تكون فرنسا المساعد الأكبر لذلك. ولهذا، قد يكون توقيف التنقيب تقنياً ريثما يتم الإنتهاء من الملف باتفاقٍ سريع يُرضي جميع الأطراف، وعندها يكون لبنان بمنأى عن “غضب أوروبي” من جهة وعن حرب من جهة أخرى، في حين أن إسرائيل تكون قد باتت بعيدة عن نزاعٍ سيدخلها في أتون حربٍ غير مضبوطة.
مع كل هذا، فإنّ لبنان، ولكي يُجنّب كاريش صراعاً ولكي يمهّد الطريق للغاز نحو أوروبا، كما يريد الغرب، فإن بإمكانه أن يطرحَ شروطاً جديدة من الدول الغربية، تتمثلُ في منحه تسهيلات مالية جديدة وفتح آفاقٍ أمامه تمكنه من لجم الإنهيار الذي يعيشه. أما النقطة الأهم فهو أنّ لبنان يجب أن يحصل على ضمانات واضحة تسمح له بالتنقيب عن النفط والغاز من دون أي منعٍ أو شروطٍ مسبقة.
في المحصلة، الطريقُ نحو الحلول سالكة ضمن الأطر الدبلوماسية، وما الحراك الإسرائيلي الأخير إلا إشارة واضحة على انعدام المواجهة العسكريّة، فتل أبيب عاجزة عن خوض معركة تضربُ مستقبلها النفطي بكل الأشكال والمقاييس.