بين ما يريده البطريرك الراعي والواقع.. رئاسة الجمهورية ليست بخير!

7 يوليو 2022


في ظل الضياع واللاقرار الحاصل على الساحة السياسية المسيحية بشكل عام والمارونية بشكل خاص، وفي ظل أكثريات مسيحية حاولت منذ نشأتها وما زالت تحاول ان تلعب في الوقت الضائع منتهجة خطوط السلبية وردات الفعل ومبتعدة كل البعد عن الايجابية الحقيقية في المشاركة في الحياة السياسية وعن رسم الأفق التي تراها مناسبة للخروج من اتون جهنم الذي يحرق الأقليات قبل الأكثريات والمواطنين جميعا بغض النظر عن بطاقاتهم الانتخابية والطائفية،
في ظل هذا الواقع الذي تمظهر بشكل واضح خلال عملية انتخاب رئيس لمجلس النواب وعملية تسمية رئيس للحكومة، حيث بدت القوى المسيحية المهيمنة عدديا انعزالية وانطوائية وفي أفضل الحالات غير قادرة على انتاج الحلول أو غير قادرة على التواصل مع الآخر المختلف سياسيا وطائفيا،
وفي ظل هذه الصورة السوداوية التي وُضع فيها المسيحيون، وكما كل مرة يخفق فيها اهل السياسة، اتجهت الانظار نحو البطريركية المارونية التي، وان أرادت ان تفصح عما يختلجها لعبرّت بشكل واضح عن الخذلان الكبير الذي تشعر فيه من تصرفات وأداء الأكثريات التي نصبت نفسها ناطقة شرعية باسم طائفة اعتادت الحرية وعدم السير في قوالب جاهزة.
وفي ظل الاتجاه نحو بكركي، التي تعيش بدورها أزمة كبيرة ناتجة عن الازمة الوطنية التي حاصرت مختلف المؤسسات الوطنية، يجد نفسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ، ملزما انطلاقا من حسه الأبوي ودور البطريركية المارونية عبر التاريخ، برفع الصوت وتسمية الأمور بأسمائها لمحاولة وضع الأصبع على الجرح.
واللافت انه في انطلاقة الموسم الاصطيافي البطريركي، ومن كنيسة الصرح البطريركي في الديمان المطلة على الوادي المقدس، علا صوت الراعي في عظته التي تلاها في الخامس من تموز الجاري، قائلا: “نطالب بإلحاح أيضًا بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة بمدّة شهر على الأقلّ أو شهرين على الأكثر، كما تنصّ المادة 73 من الدستور. وينتظر الشعب اللبنانيّ أن يكون رئيسًا واعدًا ينتشل لبنان من القعر الذي أوصلته إليه الجماعة السياسيّة، أكانت حاكمة أم متفرّجة”.
وفي مضمون وشكل الكلام البطريركي المذكور اعلاه خوف واضح على مصير البلاد في الأشهر القليلة المقبلة وخشية على موقع رئاسة الجمهورية الذي وجد في الأساس ليكون ممرا طبيعيا لاي حوار وتواصل بين مختلف المكونات اللبنانية، لا لأن يكون منصة للصدام وخلق الحواجز الطبيعية والافتراضية.
من هنا يمكن القول ان المطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية مع بداية المهل الدستورية، تشير الى تخوّف او ربما معلومات يملكها البطريرك حول احتمال وصول البلاد الى فراغ دستوري رئاسي انطلاقا من تشرين الاول المقبل على غرار الفراغ الذي شهدته البلاد ما بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان وبداية عهد الرئيس ميشال عون.
وهنا الاشارة واضحة من بكركي الى انها غير راضية عن وقوع فراغ رئاسي ثان وهي منذ الآن ترفع الصوت وقد يزداد صوتها ارتفاعا مع اقتراب المهل، فضلا عن انها قد تلجأ الى بعض الخطوات العملية منعا لأي فراغ او منعا لاطالة الفراغ بحال وقوعه، فتجربة الفراغ المر التي عاشها لبنان سابقا، ستكون اكثر مرارة على اللبنانيين عامة والمسيحيين خاصة ان قرر أهل السياسة المضي بها.
وفي اطار المناداة بانتخاب رئيس جديد مع بداية المهل الدستورية، علامة واضحة من بكركي ان بداية الحلول قد تكون مع انتهاء العهد الحالي الذي ذهب بعيدا كثيرا في مخاصمته لمختلف الأفرقاء، وهذا ما لا يتناسب مع مبادئ السياسة العامة التي يطرحها البطريرك الراعي والتي عبّر عنها من خلال رؤيته للحكومة المقبلة، اذ قال في عظته في الخامس من تموز “نريدها حكومة، كما ينتظرها الشعب، جامعة توحي بالثقة من خلال خطّها الوطني…” وفي مصطلح “جامعة” تعبير أكيد على اهمية التواصل بين اهل السياسية في لبنان والابتعاد عن المناكفات والسجالات.
وفي عظة الراعي نفسها، اشارة الى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية ينتشل البلاد من قعرها الحالي، وهنا علامة الاستفهام الكبيرة التي لا بد من طرحها، فبغض النظر عن شخص رئيس الجمهورية المقبل، وعن تموضعه السياسي وعن الدعم الخارجي له، وبعيدا عن عدد كتلته أو تكتله النيابي وعن عدد الوزراء الذي سيحصل عليهم بالعناد والنكاف او بالاتفاق والحوار، هل من الممكن فعليا لأي رئيس ان ينتشل البلاد من ظلمتها وجهنمها، أم ان ” الطائف” جرّده من اي امكانية للانتشال على مختلف المستويات؟