كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن”: خطى عدد زوار سوق ومهرجان بـ”نص جونية” منذ اليوم الأول الـ 8 آلاف زائر، ليرتفع تدريجياً ويصل الى أكثر من عشرة آلاف زائر في نهاية الأسبوع، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على الحاجة الى بارقة أمل من مكان ما.
الحماس ظاهر في كل رقعة من هذا الشارع، فكأن العيد قد زار المدينة بعد أيام عصيبة سجنت روح اللبناني المرحة المحبة. والغريب في هذا المشهد في جونية، أن التاجر والزائر يسعيان سوياً لإنجاح صيف لبنان، الذي تجسّد بنظرهما بـ»نص جونية» رافضين ان تنتهي «حكاية وطن». لذا يعتمد أحد أصحاب الحانات المبدأ الموحد للتسعير، بين كل حانات الشارع، وهو هامش ربح قليل، مقابل زبائن أكثر. ويتوقع شربل (مالك حانة) ان هذا المهرجان سيجذب الزبائن من مختلف المناطق اللبنانية ويعرفهم إلى هذا الشارع، كي تصبح تلك عادة أسبوعية او شهرية إثر زيارة منطقة جونية.
وعلى النقيض من هذا المشهد المتفائل، هناك مشهد آخر لا يصدق، هو أنه كيف يمكن لنشاط كهذا أن يكسر الجمود في السوق التجارية، أي سوق الملبوسات والمحلات الخاصة، كما هي الحال مع سيف (مالك محل ملابس) لكنه مع كل تشاؤمه، سيفتح محله لأن لا موظفين لديه، وبالتالي لن يتكلف الا بعض الإضاءة ان أراد احد الزبائن ان يشتري. ويبدي «سيف» بعض الملاحظات التي تتعلق بتنظيم المعرض كـ»الدخولية»، وضعف الإعلان المروّج له، والتسويق، والاكتفاء بمنطق تناقل رسائل نصية عبر فيسبوك و»واتس أب»، بغض النظر عن جذب وسائل الاعلام من أجل التغطية. لكن يخالفه الرأي أحد أصحاب الملابس وهو فؤاد كيروز الذي رأى ان البلدية تأخذ بالملاحظات بسرعة، معتبراً انه من الممكن تحسين جودة السوق بشكل يومي، كما يمكن التعلم من الأخطاء السابقة، فبنظره «نحتاج الى أية بارقة أمل، لنجرّ الزبائن ونثبت اننا اهل للحياة» سائلاً: «متى ستعود جونية الى الحياة من دون سوق…؟ يجب وضع مخطط توجيهي للمنطقة».
ويكسر ايلي الخوري، وهو حرفي، كل هذه السوداوية، إذ هو يصمم مجوهرات مزيفة ولديه صفحة على فيسبوك، ويرى أنه عبر هذا المعرض سيحتك بالناس، الذين سيتعرفون إلى منتوجاته، خصوصاً ان قيمة ايجار الطاولة لعرض المنتجات اقل بكثير من المردود المعنوي الناتج من تسويق حرفته.
هذا السوق شكل أيضا منفذ أمل لجورج الذي خسر محله الذي يبيع الحلويات والبوظة، بسبب الأزمة الاقتصادية، وقرر ان يتحدى الظروف، بعرض الـ»ميري كريم» بـ خمسين ألفاً، فلا يشعر انه انتهى عاطلاً عن العمل في المنزل. مثله كمثل جاره الذي يصنع الـ»كريب»، فقرر ان يدرس السوق وحركته ان أراد ان يفتح في المنطقة محلاً لبيع الحلويات، فيبيع الـ»كريب» أيضاً بسعر الكلفة. فرحته «واصلة لقرعته» كما يصف نفسه، فمنذ اليوم الأول لم يتوقف دقيقة عن البيع دالاً على شعار محله، الذي «نسقه» مجدداً خصوصاً لهذا السوق ليكون معتمداً بشكل دائم.
وهناك عدد من صانعي المونة كـ»مونة كوكو»، التي تهدف الى تشجيع جونية ولبنان عبر مشاركتها في النشاط أكثر من تركيزها على بيع مونتها، وتعرف انها قد تبيع على قدر ايجار مساحتها ولكنها ليست مهتمة الا بالحضور والتعريف ببضاعتها التي انتشرت هكذا، فهي تصنع «ورق العريش المكبوس باللبنة» وخلطات خاصة بها من مزرعتها الخاصة في زحلة.
إنّ سوق جونية الذي يقام منذ عشرين عاماً، والذي أعيد تجديد فكرته منذ 3 سنوات بشعار جديد، ينقسم زواره بين أهل منطقة كسروان الذين يودون تنشيط المنطقة عبر تشجيع الحركة في قلب عاصمة كسروان جونية، وقسم من خارج كسروان يريد الترفيه عن نفسه، وقسم آخر يشمل السياح الذين لا يزالون يؤمنون بلبنان وبقيامته.
هذه «التنفيسة» بسعرها القليل الذي هو عبارة عن 60 ألف ليرة «للدخولية» مدعومة من رعاة هذا المعرض، وهي مقسومة الى قسمين: 30 ألف ليرة تأخذها البلدية لتدفع مستحقات تنظيم النشاطات اليومية، وبدل اتعاب العمال مقابل النشاطات الترفيهية التي تعرض مجاناً للمشاهدين يومياً على مدى شهر. وعشرون ألف ليرة تعود الى الزائر على شكل خصم من فاتورته مهما فعل.