لم يُسجّل أيّ خرقٍ حكوميّ، منذ أنّ أودع الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي تشكيلته الاولى لدى رئيس الجمهوريّة ميشال عون، وبعد كلّ الردود السلبيّة التي أُثيرت، من تسريب المسودة، إلى هجوم نواب “التيّار الوطنيّ الحرّ” غير المبرّر على ميقاتي، سوى أنّ فريقهم وراء التعطيل. وأمام هذا المشهد، عادت أصابع الاتّهام السياسيّ لتُصيب “حزب الله”، على أنّه يقف خلف النائب جبران باسيل ويدعمه في مطالبه.
ورغم أنّ “الحزب” دعا ولا يزال إلى تشكيل الحكومة بأسرع وقتٍ ممكن، للانصراف لمعالجة الاوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة، التي تتقدّم بالنسبة إليه وللكثيرين على باقي الملفات، ورغم أنّ التشكيلة الاولى حافظت على وزارات “الثنائيّ الشيعيّ”، وأبرزها حقيبة “الماليّة”، ما يعني أنّ “حزب الله” و”حركة أمل” يبدوان مرتاحين من تمثيلهما، إلّا أنّ مراقبين يرون أنّ “الحزب” يدعم باسيل في إبقاء وزارة الطاقة من حصّته، لسبب بارزٍ، وهو عدم إمتداد أزمة التشكيل إلى إجراء تبديلٍ بين الوزارات، وتحقيق رغبة رئيس “التيّار” بالحصول على وزارة المال، بدل “الطاقة”. وهو ما يُشكّل مسّاً بالميثاقيّة بالنسبة لـ”الثنائيّ”، ويُدخله بمواجهة مع فريق “العهد” هو بغنى عنها، وخصوصاً قبل إنتخابات رئاسة الجمهوريّة بعد أقلّ من 4 أشهرٍ.
ويُشير مراقبون إلى أنّه ليس معلوماً بعد ما يُريده باسيل من الرئيس المكلّف. هل يُطالب بإبقاء وزارة الطاقة والمياه من حصّته؟ أم يُودّ الدخول في سجال حول حقيبة الماليّة، أم يُريد الثلث المعطّل؟ ويقولون إنّ الشروط التي وضعها، وفي مقدّمتها عزل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومحاكمته، بالاضافة إلى تحرير تحقيقات مرفأ بيروت، ستُشكّل مجلس وزراء متفجّراً.
ويُؤكّد مراقبون أنّ الملفات الحياتيّة وتطبيق الخطّة الاقتصاديّة، وإكمال المفاوضات مع صندوق النقد، وإنجاز القوانين الاصلاحيّة في مجلس النواب هي الاهمّ في الوقت الراهن. وما يطمح إليه باسيل يُعزّز بقاء حكومة تصريف الاعمال، لما بعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة. وإذا رُبطت إنتخابات الرئاسة بتشكيل الحكومة، فالاكيد أنّ البلاد ستدخل في فراغ دستوريّ يرفضه الجميع.
لذا، يعتبر مراقبون أنّ “حزب الله” من مصلحته العمل على تهدئة الامور، ومقاربة الوجهات. وهذا ما كان يفعله سابقاً عند كلّ عمليّة تشكيل. فكان معاون الامين العام لـ”الحزب” حسين الخليل، ومعه النائب علي حسن خليل، يتدخّلان لحلّ المشاكل التي تعترض الحكومة، وخصوصاً من جانب باسيل. ولكن يبقى بحسب المراقبين موضوع البيان الوزاريّ، وإدراج بند “الجيش والشعب والمقاومة”. ما يدعو “الحزب” للحذر من تسهيل تشكيل أيّ حكومة، قبل التأكّد من أنّ مجلس الوزراء سيكون داعماً له في مواجهة الاحتلال الاسرائيليّ، وخصوصاً بعدما جرى في “كاريش”، والردود الحكوميّة عمّا فعلته “المقاومة” هناك.
ويعتقد مراقبون أنّ هدف “حزب الله” من إرساله المسيّرات فوق حقل “كاريش”، كان لتفجير الوضع الامنيّ في الجنوب، وتطيير المفاوضات غير المباشرة مع العدوّ الاسرائيليّ، وصولاً إلى حرف النظر عن الاستحقاق الحكوميّ. فيكون بذلك ساعد باسيل بطريقة غير مباشرة، في التمسّك بالشروط والحقائب التي يُريدها.
في المقابل، هناك وجهة نظر ثانيّة مخالفة، وهي أنّ “الحزب” لا يريد جرّ لبنان إلى فراغ حكوميّ. فهو مستفيد من الانقسامات السياسيّة في تل أبيب، وعدم توصّل الاحزاب الاسرائيليّة الى تشكيل حكومة، ما أدخلها في فراغ سياسيٍّ ليس بجديد، ويُؤثّر بشكل مباشر على قرار الحرب مع غزة ولبنان على حدٍّ سواء. من هذا المنطلق، فإنّ تعزيز الحياة السياسيّة في لبنان بالنسبة لـ”حزب الله” أمرّ أساسيٍّ في الوقت الراهن، للتحضير لأيّ ردٍّ عسكريٍّ على إسرائيل، إنّ حصل أيّ طارىءٍ على الحدود الجنوبيّة أو البحريّة، والاستفادة من التشرذم الحكوميّ من ناحيّة العدوّ.
وحتّى الان، الثابت الوحيد أنّ النقاش الحكوميّ تأجّل إلى ما بعد عيد الاضحى. وبقي كلام المعرقلين بالاسراع بتشكيل الحكومة وعدم رغبتهم بالمشاركة فيها حبراً على ورق، من دون وجود نيّات جدّية في تسهيل مهمّة الرئيس المكّلف. وأمام هذا الواقع السياسيّ المتأزم، دعا مجلس الامن الدوليّ الافرقاء اللبنانيين إلى ضرورة الاسراع في تشكيل حكومة جديدة، تبدأ حالاً بالاصلاحات، وبإكمال المفاوضات مع صندوق النقد. فقد عاودت الجهّات الدوليّة التشديد على شرطين لمساعدة لبنان. أوّلهما ولادة الحكومة. وثانيهما الاصلاحات. فهل يتّعظّ المعرقلون أمام الازمات التي تواجه المواطنين يوميّاً، ويحفظون ماء الوجه أمام البلدان الغربيّة والعربيّة؟