في آخر إطلالة إعلامية له ختم رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مؤتمره الصحافي بالدعوة إلى تطوير النظام. ولولا العيب والحياء لكان طالب بتغييره.
فإذا قاربنا هذا الموضوع بشيء من الموضوعية يمكننا أن نلاحظ على الأرجح أن لبّ مشكلة البعض هي في مضامين إتفاق الطائف، الذي يجب أن تُطبّق أولًا بروحيتها وحرفيتها قبل المطالبة بتعديلها أو بتغييرها.
فـ”حزب الله” نفسه، الذي كان وراء فكرة الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي، عاد وتراجع عن فكرة تغيير النظام، ودعا إلى ضرورة إدخال بعض التعديلات عليه، خصوصًا بالنسبة إلى القضايا المثيرة للجدل، والتي تُعتبر حمّالة أوجه لإجتهادات دستورية عدّة، ومن بينها مسألة إمكانية تسلمّ حكومة تصريف الأعمال مهام رئيس الجمهورية في حال تعذّر إنتخاب رئيس جديد خلفًا للرئيس ميشال عون لأي سبب كان.
وثمة رأيان دستوريان، الأول يجيز لحكومة تصريف الأعمال تسلمّ المهام الرئاسية، وكالة، في حال تعذّر تشكيل حكومة أصيلة، وذلك منعًا لوقوع البلاد في فراغ على مستوى السلطة التنفيذية، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى أي شكل من أشكال الحكومات، حتى ولو كانت تصرّف الأعمال بمفهومها الضيّق، إذ يبقى موضوع التصريف الضيق أفضل بكثير من العدم والفراغ الكّلي.
أما الإجتهاد الآخر فيقول بعدم جواز تسلمّ حكومة التصريف المهام الرئاسية بإعتبار أنه لا يحقّ لها أن تعقد جلسات وزارية إلاّ في حالات نادرة.
لبّ المشكلة أن هناك كثيرين لم يستوعبوا أو بالأحرى لا يريدون أن يستوعبوا مضامين إتفاق الطائف ودور رئيس الحكومة كممثل لطائفة أساسية في لبنان من ضمن الموزاييك الطوائفي القائم على توازنات دقيقة. فالرئيس المكّلف سمّته أغلبية نيابية. وهذا هو الفرق بين إتفاق الطائف والدستور القديم، حيث كان رئيس الجمهورية يختار شخصية سنّية لتشكيل حكومته، ولم تكن الإستشارات النيابية التي كان يجريها لإستمزاج آراء مختلف الكتل النيابية ملزمة لرئيس الجمهورية.
وبذلك يمكن القول أن أي رئيس مكّلف لتشكيل حكومته تختاره أغلبية نيابية وفق ما ينصّ عليه الدستور ووفق أبسط قواعد الديمقراطية، وهو بالتالي لم يُسمَّ من “كيس” فلان أو علتان.
فهو يُختار لكي يَختار ويشكّل، مع حفظ كامل صلاحيات رئيس الجمهورية الذي أناط به الدستور مهمّة توقيع مرسوم التشكيل. ومن دون توقيعه لا تُبصر أي حكومة النور. وهذا يعني بالمفهوم الدستوري أن توقيع رئيس الجمهورية هو بمثابة البصمة الأولى لنيل الحكومة ثقة مجلس النواب، الذي يمثّل الشعب، وهو بدوره مصدر السلطات.
وثمة عامل آخر، وهو أن هناك كثيرين لم يستوعبوا بعد أو لا يريدون أن يستوعبوا مضامين نص الدستور اللبناني بأن تشكيل الحكومة شيء وشرعنة تشكيل الحكومة بمرسوم جمهوري شيء آخر.
وربّ سائل: ماذا لو أفشل المعرقلون مهمة الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي في التأليف ووصلنا الى موعد انتخاب رئيس للجمهورية من دون حكومة أصيلة، فهل يبقى التكليف قائمًا بعد انتخابات الرئاسة في حال حصلت في موعدها؟ّ
لا أحد من مفسرّي الدستور قادر على الإجابة عن هكذا سؤال، لأن مثل هذه الحالات النادرة لم يرتقبها الدستور، لأن المشرّعين لم يفترضوا هكذا نوع من أنواع إنعدام المسؤولية لدى بعض السياسيين، الذي يركّبون أذن الجرة وفق ما تفرضه أهواؤهم، مع أرجحية أن يبقى التكليف قائمًا لأنه جاء تجسيدًا لإرادة الأكثرية النيابية. وهذا التكليف لا يلغيه سوى من كّلف. وهذا الأمر يُعتبر من بديهيات العمل الدستوري القائم على مبدأ فصل السلطات وتكاملها.