رغم أنّ “حزب الله” لا يزال يلتزم الصمت على مستوى خياراته الرئاسية، إلا أنّه أصبح “شبه مؤكد” أنّه حسم موقفه لجهة “دعم” ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، باعتبار أنّه “الأوفر حظًا”، مقارنة برئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، الذي يُعتقَد أنّ من الصعب أن يحصد صوتًا واحدًا خارج عباءة تكتّله، والحزب.
ومع أنّ المحسوبين على “حزب الله” والمقرّبين منه لا يجزمون بصحّة أيّ من التكهّنات المثارة حول خياره الرئاسي، كما ينفون أن يكون قد قطع أيّ “وعد” على أيّ من المرشحين المحتملين كما فعل في العام 2016 مع الرئيس ميشال عون، ثمّة علامات استفهام تُطرَح عمّا إذا كان الحزب عمليًا في وارد تكرار “سيناريو” استحقاق 2016، دعمًا لفرنجية هذه المرّة.
فهل سيخوض “حزب الله” المعركة الرئاسية هذا العام بالعزيمة نفسها التي خاض فيها انتخابات 2016، ودفع بنتيجتها معظم الأفرقاء إلى الالتحاق به، ودعم مرشحه للرئاسة، من خلال ما عُرِفت بـ”التسوية الرئاسية”؟ وهل يمكن لـ”حزب الله” أن يلجأ مجدّدًا إلى استراتيجية “تعطيل النصاب” في سبيل “فرض” مرشحه، أم أنّ مقاربته ستكون “أكثر مرونة” هذه المرّة؟
الظروف مختلفة
يقول العارفون إنّ المقارنة بين استحقاقي 2016 و2022 الرئاسيَّين ليست في مكانها، فالظروف التي حكمت الانتخابات الرئاسية الأخيرة مختلفة بالمُطلق عن الظروف التي تحيط باستحقاق اليوم، ولو أنّها “تتشابه” في بعض جوانبها، خصوصًا لجهة “انقسام المَحاور” في الخارج، الذي يتجلّى بصورة واضحة في الداخل، باتت برأي كثيرين أكثر وضوحًا بعد الانتخابات الأخيرة، التي أفرزت من جديد “معسكرَين مضادَين” على أكثر من مستوى.
وإذا كان هناك من يعتبر أنّ دعم “الحزب” لفرنجية هو بمثابة “تحصيل حاصل”، باعتبار أنّه من “الحسابات المؤجَّلة” منذ الاستحقاق الماضي، والتي لم تتمّ معالجتها بعد، فإنّ المحسوبين على “الحزب” يقولون إنّ ما هو مختلف أيضًا أنّ “الحزب” كان “مُلزَمًا أخلاقيًا” بدعم عون، نتيجة وعد قدّمه له من باب “ردّ الجميل” لما فعله خلال حرب تموز، في حين أنّه لم يَعِد فرنجية بأمر مماثل، ولو وصفه السيد حسن نصر الله بأنه “إحدى عينيه”.
رغم ذلك، يؤكد العارفون أنّ فرنجية سيكون “الخيار المفضّل” لـ”الحزب” في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إن وُجِدت “الفرصة الحقيقية” له، ونجح في تأمين قاعدة دعم “واسعة”، لا تقتصر على فريق “8 آذار” بطبيعة الحال، وهو بلا شكّ يفضّل خيار فرنجية على أيّ خيار آخر، نظرًا لـ”الثقة” التي لدى الأخير في رصيد “الحزب”، وهي التي لم تتزعزع حتى حين أحجم “حزب الله” عن دعمه، يوم وصلت الرئاسة إلى جيبه.
ماذا عن “التسوية”؟
لكن، بعيدًا عن “تفضيلات” الحزب، ثمّة أسئلة أخرى تُطرَح، فهل هو مستعدّ للذهاب حتى النهاية في دعم فرنجية، كما فعل مع عون، وإن تطلّب الأمر مواجهة كبرى، وربما تعطيلاً للنصاب حتى ضمان فوزه؟ وهل يستطيع “حزب الله” أن يتحمّل بمفرده مسؤولية فراغ رئاسي آخر، على وقع الأزمات المتفاقمة التي تمرّ بها البلاد؟ وما صحّة المعلومات التي تتحدّث عن انفتاحه على “تسوية رئاسية” ولو أتت بغير فرنجية إلى الرئاسة؟
يقول العارفون إنّ الوقت لا يزال مبكرًا لحسم الموقف، إلا أنّ الأكيد أنّ “التشدّد” الذي طبع تعاطي “حزب الله” مع انتخابات 2016 لن يتكرّر اليوم، سوى في حالة واحدة، وهي أن يختار الآخرون “المواجهة” عنوانًا للاستحقاق، وهو ما يحاول البعض إثارته، سواء عبر “التلويح” بترشيح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، أو شخصيات أخرى تضع نفسها تلقائيًا في خانة “الصدام” مع “حزب الله”.
بعيدًا عن هذه “المواجهة”، يؤكد المتابعون أنّ “حزب الله” قد لا يكون رافضًا بالمُطلق للتسوية، بل إنّ هناك في صفوفه من يفضّل الذهاب إلى “تسوية” على انتخاب مرشح محسوب عليه، تفاديًا لتكرار مشهديّة “العهد” الحالي، ولأنّ “الرئاسة” في زمن “الانهيار” قد لا تكون في صالح أحد، لكن بشرط واحد، وهو أن تفضي “التسوية” إلى انتخاب شخصية تكون مقبولة من قيادة “الحزب”، بحيث لا تكون رمادية ولا محسوبة على خصومه.
لن يقول “حزب الله” كلمته على الأرجح قبل أن يحين موعد الاستحقاق الرئاسي. ثمّة من يقول إنّ متغيّرات كثيرة قد تطرأ وتؤدي إلى “قلب” موازين المعركة رأسًا على عقب. وثمّة من يقول إنّ “الحزب” ينتظر نضوج معطيات الاستحقاق ومعرفة “اتجاهات” الخصوم ونواياهم. وحتى ذلك الوقت، لا شكّ أنّ سليمان فرنجية سيبقى “ورقة قوة” في يد الحزب ومن يدورون في فلكه، لطرحها في الوقت المناسب!