كتب فؤاد بزي في “الأخبار” طلاب اختصاص الكيمياء في الجامعة يتعلّمون ما هو أبعد من المادة العلمية الجافّة. يختلفون بشكل جذري عن أقرانهم طلاب الآداب وحتى الاختصاصات العلمية الأخرى. الكيمياء يمكن تسييلها بسهولة أكبر في الحياة اليومية. هي موجودة في كلّ المواد التي تُستخدم في أنشطتنا العادية من الصابون الضروري للحفاظ على النظافة الشخصية إلى العطورات وصولاً إلى الأدوية. اختلفت التسميات، وتوحّدت لدى أصحاب الاختصاص: هذه مركبات كيميائية. والكيميائيون الشغوفون باختصاصهم لا يتعبون عادة في إيجاد عمل.
يمكنهم بكلّ بساطة اختراع واحد. وبحسب أفكارهم وتوجهاتهم يمكنهم تسييل هذه المعرفة. قلّة قليلة تجنح نحو الممنوعات كحال “والتر وايت” (هايزنبرغ) بطل مسلسل بريكينغ باد. أستاذ الكيمياء هذا ركّب مادة مخدّرة بنقاوة عالية. أما البعض الآخر، فيجد في حاجات المجتمع لمواد أساسية في حياته اليومية مثل الصابون سبيلاً للرزق. وكيفية صناعة الصابون درس يتكرّر في المنهج اللبناني أكثر من مرّة. إذاً لا ينقص سوى التطبيق.
ريما حرز، أستاذة الكيمياء في ملاك التعليم الثانوي الرسمي، محبّة لكلّ ما هو طبيعي أو مستخرَج من مواد طبيعية. تدفعها جملة من الأسباب للتفكير خارج صندوق الوظيفة الواحدة. تجد نفسها في التعليم نعم، ولكنها تخشى من توقف الزمن فيها أمام الصف. ترى “التلاميذ يكبرون، ويأتي غيرهم، ويبقى الأستاذ مكانه”. يا لها من صورة مملّة. تعاين لحظات تؤكّد خشيتها، ترى أستاذها الذي علّمها عندما كانت تلميذة يخرج من حصته لتتسلّم مكانه. تخشى أن “تتكرّر الصورة ذاتها مع أحد تلاميذي”. لا تريد أن تصل بها الرتابة الوظيفية إلى الوقوع في فخّ الكتاب المدرسي، فلا تعود تعرف كيف تتحدث عن شيء من خارجه. كان هذا دافعها الأول والأساسي، أضيفت إليه أزمة اقتصادية جعلت من راتبها فُتاتاً. فلم تكن عاملاً محبطاً لتفاعلاتها الكيميائية، بل عكس ذلك تماماً، حفّزتها للتفتيش عن سبيل للإنتاج في مجتمع قروي “محدود الدخل”.الصابون الطبيعي، واحدةٌ من حاجاتنا اليومية الأساسية الذي يمكن تصنيعه في مختبر صغير وبعض الأدوات. “جرّبت على نفسي أول منتج، أصغر صابونة صنعتها، وكانت جيّدة”. ثمّ جاءت جائحة كورونا وترافقت مع إقفالات مملّة. استغلّت ريما الأمر واختارت مع أختها “الكيميائية” أيضاً “كاراجاً” ملحقاً ببيتها، لتبدآ رحلة صناعة الصابون.لم تكن الأمور سهلةً في البداية. “أدوات العمل والمواد الأولية كلّها بالدولار”. اشترت “الحدّ الأدنى اللازم للانطلاق” من راتبها الخاص. قسّمت مدخولها بين مصاريف ضرورية وبين رأس مال استثماري صار أساسياً للانطلاق في العمل. لم تترك للرتابة مكاناً حتى في العمل الجديد، فتابعت عدداً من الدورات على الإنترنت لتطوير صناعتها وإخراجها من حدود الكتاب المدرسي: “صنعنا الصابون بالورد وأدخلنا عليه مركّبات تتناسب مع مختلف أنواع البشرة”. أما المفاجئ فقد كان تجاوب السّوق المحلي معها، وهذا ما تعيده إلى التسويق الإلكتروني عبر صفحة خاصة بمشغّلها على تطبيق “انستغرام”. واليوم لم يعد بإمكانها تلبية كلّ الطلبات فوراً نتيجة للضغط.تتوجّه ريما بكلمات إلى زملائها في التعليم. هي ترى فيهم من راهن سابقاً على المهنة الواحدة من بداية العمر وحتى سن التقاعد. وتحاول أن تصدمهم بقولها: “ابتعدوا عن هذه الفكرة”. وتعبّر عن “استغرابها لفكرة التحصيل المادي السّريع” الذي يفتش عنه من يبدأ بالتجرؤ على الخروج من التعليم. وتختم بأنّ “صندوق الأفكار في لبنان يضيق، وعلينا البحث عن أيّ مجال يمكننا أن ننجح به للانطلاق”.