تزامناً مع زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن إلى منطقة الشرق الاوسط، والتناقض في التصاريح الايرانيّة والاميركيّة حول المفاوضات النوويّة الاخيرة في العاصمة القطريّة، الدوحة، عاد الحديث عن قوّة شرق أوسطيّة للوقوف بوجه تهديدات طهران، والخطر الذي يُشكّله برنامجها النوويّ على البلدان العربيّة وإسرائيل.
وصحيحٌ أنّ بلدان خليجيّة طبّعت علاقاتها مع إسرائيل مُؤخّراً، وأجرت مناورات عسكريّة معها، وطلبت منظومة الدفاع الحديديّة منها. إلّا أنّ عوامل كثيرة لا تزال تقف حائلاً دون دخولها في حلف استراتيجيّ مع تل أبيب ضدّ إيران. وأهمّها قرب مسافة هذه الدول العربيّة من طهران. ويرى مراقبون أنّ سيناريو أوكرانيا وروسيا الحدوديّ كان درساً لدول العالم. فكيف للعواصم العربيّة أنّ تُطوّق إيران ومعها إسرائيل؟ كذلك، هناك تواصل مستمر على سبيل المثال بين الامارات وسلطنة عمان مع إيران، ومحادثات سعوديّة – إيرانيّة تجري في بغداد. وقد بدأت الدول الخليجيّة العودة إلى سوريا، على الرغم من النفوذ الايرانيّ في دمشق، بعد الحرب على الارهاب.
ويقول مراقبون إنّ زيارة بايدن للمنطقة، تحمل بعداً نفطيّاً. فهو سيُحاول التعويض عن الغاز الروسيّ لاميركا وأوروبا عبر الدول العربيّة وإسرائيل التي تخوض مفاوضات غير مباشرة مع لبنان. ويُضيفون أنّ الرئيس الاميركيّ شدّد خلال محطته الاولى على حماية أمن إسرائيل، ويُريد من خلال “الناتو” الشرق الاوسطيّ أنّ يضغط على إيران في الاتّفاق النوويّ، وفرض شروطه لا شروطها على الطاولة. ويلفت مراقبون إلى أنّ الدول العربيّة منقسمة في الشرق الاوسط، بين مُؤيّد للسياسة الاميركيّة، وبين منحازٍ لروسيا والصين، وأخرى، كلبنان والعراق، حياديّة في هكذا قرارات. ويُتابع المراقبون أنّ ما يجري حاليّاً بين الدول العربيّة التي دخلت في التطبيع مع إسرائيل، هو تنسيق أمنيّ، أكثر من تحالف استراتيجيّ عسكريّ.
وبالحديث عن لبنان، فإنّ ظروفه تختلف تماماً كما يُشير مراقبون عن دول كالامارات أو البحرين على سبيل المثال. فالدولتان دخلتا في تطبيع مع إسرائيل، فيما لبنان يتفاوض معها من خلال موفد أميركيّ، في موضوع النفط والغاز. بالاضافة إلى ذلك، فإنّ إيران ليست عدوّاً لبيروت، بل تل أبيب، التي لا تزال تحتلّ أراضٍ لبنانيّة. فيما هناك تبادل للسفراء مع طهران وعلاقات جيّدة معها. ويقول مراقبون إنّه لدخول لبنان في “الناتو”، عليه أوّلا أنّ يكون بسلام مع إسرائيل، وهو أمرٌ مستحيلٌ في الوقت الراهن. ويُضيف المراقبون أنّ لبنان ليست لديه القدرة أو الامكانات العسكريّة التي تُمكّنه من الوقوف بوجه أيّ دولة في المنطقة. لذا، يبقى موقفه الرسميّ من هذا الطرح حياديّاً، مثل أغلبيّة الملفات في الشرق الاوسط.
في السيّاق، يشكل وجود “حزب الله” الحليف الاستراتيجيّ المباشر لايران في لبنان، والذي يمثل قوّة عسكريّة وشعبيّة ممثلة في مجلس النواب والحكومة، سببا إضافيّا لعدم إنخراط لبنان في “ناتو” المنطقة. وقد كان لافتاً التصعيد في خطاب السيّد حسن نصرالله قبل يومين، والذي أعلن فيه أنّ “الحزب” مستعدّ للحرب مع إسرائيل، وأنّ تاريخ ما قبل أيلول يُمكن أنّ يُفجّر الوضع العسكريّ معها.
ويرى مراقبون أنّ “حزب الله” سيذهب إلى تكوين حلفٍ مضاد لـ”الناتو”، مع دمشق. فيكون الخناق قد ازداد حينها على إسرائيل، من جنوب لبنان، إلى الجولان السوري المحتل، وصولا إلى قطاع غزّة. فكما أنّ لاميركا حلفاء في المنطقة، لايران أيضاً. والوضع ليس سهلا كما في أوروبا، حيث ان روسيا ومعها فقط بيلاروسيا، محاصرتان من دول الاتّحاد الاوروبيّ، التي تقف خلف أوكرانيا، وتُزوّدها بالسلاح والذخيرة.
ويبقى موضوع فلسطين محوريّاً ليس فقط للبنان و”حزب الله”، وإنّما للدول العربيّة، على الرغم من تقاربها من تل أبيب. كذلك، فإنّ الاعتداءات الاسرائيليّة المتكرّرة على الجامع الاقصى من ناحيّة، وبناء المستوطنات، وقضم الاراضي الفلسطينيّة، والحروب المتلاحقة على قطاع غزّة، أسباب عربيّة كثيرة لا تزال موضع جدل مع إسرائيل. يُضاف إليها خرق الاجواء والاعتداء على السيادة اللبنانيّة يوميّاً.
وعليه، يختم مراقبون أنّه من الصعب تكوين تحالف عربيّ – إسرائيليّ – أميركيّ في الشرق الاوسط، للحدود التي تجمع أغلبيّة الدول الخليجيّة التي تدعوها واشنطن للانضمام للحلف ضد طهران. فالبرغم من التطبيع مع إسرائيل، لا يزال همّ هذه البلدان العربيّة التبادل التجاري والسياحيّ والاقتصاديّ، وتعزيز الدفاع الامنيّ، الذي يختلف عن تكوين جبهة موحّدة ضدّ بلد جارٍ. أمّا التهديد الايرانيّ، فهو مجرّد كلام، للضغط على المفاوضين الايرانيين في الملف النوويّ.