كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: قبل أن تعلن واشنطن عن زيارة الرئيس الاميركي الى اسرائيل والمملكة العربية السعودية منتصف تموز الجاري، كانت المفاوضات الثنائية الجارية بين واشنطن وطهران وما بين الاخيرة وواشنطن مستمرة قبل ان تستأنف مفاوضات الترسيم البحري في منتصف حزيران الماضي. كان ذلك قبل ان تتوالى النكسات مع قرب وصول بايدن الى المنطقة. وعليه طرح السؤال هل تعطّلت كل هذه المسارات؟ ام جمّدت؟ والى متى؟
يتوقف المراقبون أمام المواقف الاقليمية والدولية التي عبّرت عن الأجواء الاستفزازية التي تسببت بها الزيارة والتي عبّرت عنها مواقف عدة أبرزها الدعوة المفاجئة من اجل عقد قمة ايرانية ـ تركية ـ روسية في طهران مطلع الأسبوع المقبل. ففي مواجهة الترحيب بزيارة بايدن التاريخية ارتفعت أجواء التشكيك التي عبّر عنها بنحو واضح الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الذي حسم قبل الزيارة بقوله انها “لن تحقق الأمن للدولة العبرية” ولن “تزيد من الدول التي طَبّعت معها وفق اتفاقات ابراهام التي أدخلت إسرائيل إلى عمق الخليج العربي”.
وانطلاقاً من هذه الأجواء التي أوحت بمواجهة جديدة بين “قمة جدة” و”قمة طهران”، ليس صحيحاً ان الثانية تعقد للبحث في الوضع في سوريا وتطورات الغزو الروسي لأوكرانيا فحسب، لا بل إنها تنتظر نتائج القمة الاولى اليوم لتبني على الشيء مقتضاه، فالطحشة الأميركية في المنطقة التي قادها بايدن شخصياً ستغيّر في كثير من المعادلات القائمة. وانّ الستاتيكو الذي بني من قبل على اساس ادارة واشنطن لأزمات المنطقة من بعد قد تغيّرت. وباتت منطقة النزاع بكاملها تحت غطاء القيادة الوسطى للجيش الاميركي ولن تسمح واشنطن بالتوسع السعودي في اتجاه الصين وروسيا، ولن تسمح ايضاً باستمرار السيطرة الايرانية المتزايدة خارج اراضيها وربما ستلجأ الى عقوبات إضافية نتيجة اتهام طهران بعرقلة انتخاب الرئيس العراقي الجديد منذ الخريف الماضي، وتدخلات “الحشد الشعبي” ولا توافقها على خطواتها في سوريا ولبنان كما في اليمن. وهو ما سيدفع بـ”قمة جدة” الى البت بمجموعة من الخطوات التنسيقية التي قد لا ترقى اليوم الى ما يسمّى “الناتو العربي” ولكنها ستنتهي الى مزيد من التنسيق وتقديم التسهيلات المتبادلة التي تعزز المواجهة مع الخصوم والأعداء.
ويختم المراقبون الديبلوماسيون هذه القراءة بالقول انّ كل هذه المعطيات أدت الى تجميد المفاوضات السعودية ـ الايرانية كما على مسار الاميركية ـ الايرانية. ولذلك تجدّدت المخاوف من المخاطر حول مستقبل عملية الترسيم البحري في الجنوب على رغم من حديث الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين عن تقدّم ملحوظ للتقريب في وجهات النظر بين لبنان واسرائيل. ذلك انّ الاشارات التي اطلقها “حزب الله” أخيراً لا توحي أن الامور ماشية كما يشتهيها لبنان الرسمي وان تغيرت هذه المعطيات في وقت قريب سيكون علينا ان نترقّب ما ليس في الحسبان، فالاجواء السلبية تخيّم على المنطقة وأي رؤية إيجابية قد تكون مفاجأة جدية فلنراقب وننتظر.