يستمرّ حزب الله في التصعيد من خلال رفع سقف خطابه المرتبط بالخلاف على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وذلك بسبب بدء الاحتلال الاسرائيلي باستخراج الغاز من حقل “كاريش” الحدودي مع لبنان. من هُنا يطرح السؤال حول كيف سيتمكن “الحزب” من الاستفادة من هذا الواقع في الساحة اللبنانية.لعلّ الخطأ الأبرز الذي حصل من خصوم “حزب الله” في المرحلة الماضية كان في عملية المزايدة عليه، بمعنى ان هؤلاء اعتقدوا ان الواقع الاقتصادي والسياسي اضافة الى جملة ازمات اقليمية ودولية سيردع “الحزب” عن القيام بأي عملية تصعيدية مع الكيان المحتل في هذه المرحلة، لذلك فهُم ذهبوا بعيدا في المزايدة حول الخط 29 وبدأوا بمساءلة “الحزب” متّهمين اياه بالتقاعس عن أداء دوره “الذي يدّعيه”، حتى أن بعضهم خصوصاً “قوى التغيير” نددوا بشكل واضح بعدم اتخاذ “الحزب” موقفاً واضحاً من عملية ترسيم الحدود، وذهب المزايدون نحو المبالغة في الهجوم على “الحزب” و”معايرته” بالتقصير.حينها تمكّن “حزب الله” من استغلال هذا الواقع، إذ بدأ أمينه العام السيد حسن نصر الله عملية تهديد واضحة للعدو الاسرائيلي معلناً أن “الحزب” لن يبقى مكتوف الأيدي أمام سرقة ثروات لبنان، بل سيوجّه ضربة عسكرية في حال استمرّ العمل على استخراج الغاز.وبحسب مصادر مطلعة، فإن خصوم “الحزب” وجدوا أنفسهم في موقف محرج بعد خطاب السيد نصر الله الاخير، إذ عوضاً عن استغلال صمته بهدف المزايدة وكسب تضامن من شككوا لحظة بتخاذل “حزب الله”، أضحوا أمام خيارين؛ إما التطبيل للحزب وخطواته التصعيدية على المستوى العسكري او التنديد بها وبالتالي الانقلاب على مواقفهم السابقة، الامر الذي حصل فعلاً، إذ بدأوا عملية تراجع تكتيكي واضحة المعالم الامر الذي أفقدهم الحجة السياسية الى أبعد حدّ.في المقابل، استفاد “حزب الله” من الارباك الذي طرأ على خصومه، حيث استطاع اعادة تجميع جزء من المجتمع الذي كان قد خسره خلال الحراك الكبير في 17 تشرين، واستعاد شرعية المقاومة مجددا باعتراف خصومه بالرغم من تراجعهم، اذ إن التراجع نسف قدرتهم على التأثير نظراً لتضارب المواقف ما بين اليوم والامس.هكذا استطاع “حزب الله” ان يستعرض خطاباً ذا شرعية وطنية مرتبطاً بالمصالح المباشرة لكل اللبنانيين ليستفيد منه، بعيدا عن ما إذا كانت الفائدة ذات ارتباطات اقليمية، لكن الشعار الاساسي الذي رفعه هو الدفاع عن المصالح الاقتصادية وموارد اللبنانيين في لحظة الانهيار الكامل. وهذا ما يعطيه اسبقية على خصومه في الكباش السياسي الحاصل.