بالرغم من ان كل المؤشرات السياسية في المنطقة توحي بأن الكباش الحالي ليس سوى محاولات من هذا الفريق او ذاك لتحسين شروطه التفاوضية، وليس مقدمة لتصعيد كبير او اشتباك عسكري الا في حال حصول تطورات غير متوقعة وغير مرغوبة، لكن التسوية الاقليمية لا تبدو قريبة بل تحتاج الى وقت يهيئ الظروف الداخلية في الدول المعنية.
احد ابرز اسباب عدم توجه المنطقة الى التصادم العسكري او حتى السياسي هو انشغال القوى الكبرى بقضايا اكثر اهمية بالنسبة اليها، فأوروبا منشغلة بنفسها وبأزمتها الاقتصادية التي من المتوقع ان تتفاعل مع بداية الشتاء، في حين ان الاميركيين لديهم أولويات مرتبطة بالحرب الروسية الاوكرانية والصراع مع الصين الذي تزداد سخونته. حتى ان زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة لا تعبر عن الاهتمام الاميركي بقدر ما تعكس الرغبة الاميركية بتطمين الحلفاء تمهيدا للتسويات التي ستتجه اليها مع ايران اولا ، ما يؤدي الى تسويات اقليمية متسارعة بين دول المنطقة، وهذا يعود الى اصرار واشنطن على تخفي الاعباء السياسية في المنطقة.
من المفترض ان تشمل التهدئة الساحة اللبنانية بشكل غير مباشر، اذ لن يكون هناك قرار مباشر مرتبط بلبنان يقوم على ضرورة الذهاب الى تسوية داخلية لكن تقليل المخاطر سيفرض على الاوروبيين تحديدا محاولة منع الانفجار والفوضى، او ما يفضل الاميركيون تسميته الحفاظ على الوضع القائم. سيتم وضع لبنان جانبا في ظل كل الاهتمامات التي تأسر القوى الدولية وحتى الاقليمية، فحتى ايران والسعودية خلال مشاوراتهما ظهرت لديهما اولويات مختلفة عن الساحة اللبنانية، فطهران تريد تحسين العلاقات الثنائية مع الرياض والاخيرة ترغب بوضع حد للازمة اليمنية بعد وقف اطلاق النار. وبحسب مصادر مطلعة فإن القوى السياسية امام فرصة تاريخية لن تتكرر تقوم على ضرورة منع الفراغ والذهاب الى تسوية داخلية بحتة، اذ لا يوجد قوى خارجية قادرة خلال المرحلة المقبلة على تعطيل اي اتفاق لبناني واقعي يمنع انزلاق البلد الى مستويات قياسية من الفوضى والانهيار المعيشي والاقتصادي..
وترى المصادر ان الاتفاق على انتخاب رئيس وتشكيل حكومة انقاذية والعمل على تحسين الظروف هو امر متاح، الا في حال انزلقت الامور الى تطورات عسكرية وامنية مرتبطة بملف الحدود البحرية في ظل عدم وضوح الرؤية حول كيفية سير الامور واتجاه المفاوضات المرتبطة بحرب الغاز العالمية.