صحيح أنّ “أوان” الانتخابات الرئاسية المفترضة قبل نهاية تشرين الأول المقبل لم يحن بعد، وأنّ معطيات الاستحقاق المنتظر لم “تنضج” بعد، إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ حديث هذه الانتخابات “يعلو” على كلّ حديث آخر في الصالونات السياسية هذه الأيام، في ظلّ عمليات “جسّ نبض” واضحة لمختلف القوى السياسية لاستكشاف اتجاهاتها الرئاسية، فضلاً عن “التكتيكات” التي قد تعتمدها في الاستحقاق المنتظر.
لعلّ نواب “التغيير” الذين لم ينجحوا حتى اليوم في استيلاد “تكتّل” جامعٍ لهم، بفعل الخلافات التي برزت بينهم في مقاربة مختلف القضايا والاستحقاقات، والذين يُقال إنّهم انقسموا إلى أكثر من مجموعة، هم ممّن “يترقّب” كثيرون موقفهم، ربما لأنّهم، رغم تشتّتهم، يمكن أن يشكّلوا “بيضة قبان”، في حال حصلت “مواجهة” ما، ولو أنّ الاعتقاد يسود بأنّهم لن يخوضوا “المعركة الرئاسية” موحّدين، بل بتكتيكات “متناقضة” على الأرجح.
ورغم أنّ الاستحقاقات الماضية، من انتخابات رئيس مجلس النواب ونائبه، وصولاً إلى هيئة مكتب البرلمان، مرورًا باللجان، فضلاً عن تسمية رئيس الحكومة، كانت “مخيّبة” إلى حدّ بعيد، ثمّة من يسأل عمّا إذا كان نواب “التغيير” سيصطفّون هذه المرّة إلى جانب قوى المعارضة، لإيصال مرشح “موحّد” إلى قصر بعبدا، خصوصًا بعدما ثبت أنّهم، بتمسكهم بمقولة “كلن يعني كلن”، إنما يخدمون فريق “8 آذار” رغم خسارته أكثريته.
الوقت مبكر
يرفض نواب “التغيير” كما المحسوبون عليهم، “الغوص” من الآن في “دهاليز” الاستحقاق الرئاسي، ولا سيما أنّ معالمه لم تتّضح بعد، وتبقى مرشحة للانقلاب، إن جاز التعبير، قبل أن يحين موعد الانتخابات، ربطًا بالظروف المحيطة داخليًا وخارجيًا، علمًا أنّ “أولوياتهم” الآن، كما يقولون، في مكانٍ آخر، وهي تتركّز تحديدًا على الأمور “المعيشية” للمواطنين، والتي انتُخِبوا على أساسها، من أجل تقديم “نموذج” مختلف وفريد في الحكم والشأن العام.
بالنسبة إليهم، الوقت لا يزال مبكرًا لحسم “تكتيكاتهم” الرئاسية، ولو أنّ هناك من يرى في مثل هذا الكلام مجرد “غطاء” للقفز فوق “الخلافات” التي تعصف بهم، حتى على تحديد “مواصفات” الرئيس العتيد، وقبل أن يبدأ النقاش بالأسماء المطروحة، علمًا أنّ الأنظار لا تزال تتركّز على “الخلوة” التي يفترض أن يعقدوها الشهر المقبل، إضافة إلى اللقاءات المكثفة التي يعقدونها فيما بينهم بشكل دوري، من دون أن تفضي إلى اتفاق على الخطوط العريضة.
وتمامًا كما في الاستحقاقات الماضية، يعتقد كثيرون أنّ خلافات “جوهرية” واقعة بين نواب “التغيير” في مقاربة انتخابات الرئاسة، وهو ما يعزوه كثيرون إلى خلفيّاتهم الفكرية المختلفة حدّ التناقض، فبينهم فريق يتمسّك بضرورة خوض “المعركة” جنبًا إلى جنب سائر قوى المعارضة، لمواجهة مرشح قوى “8 آذار” شبه المُعلَن، وبينهم من يعتبر أنّه يجب أن يكون لهم مرشحهم الخاص، ولو لم يمتلك الحظوظ الكافية، إيمانًا منهم بمقولة “كلن يعني كلن”.
هل يسيرون بـ”التسوية”؟!
ورغم أنّ نواب “التغيير” قالوا عند انتخابهم إنّهم أتوا ليكرّسوا العمل بالديمقراطية، ففرضوا الانتخابات حتى في عضوية بعض اللجان غير الأساسيّة، وهو ما دفعوا هم ثمنه، هناك من يقول إنّ جزءًا من نواب “التغيير” لا يبدو معارضًا لـ”التسوية” في انتخابات الرئاسة، إن توافرت فيها بعض “الشروط” التي تجعلها معقولة ومنطقية، ولو أنّ هناك من يعترض على ذلك، بوصفه تكريسًا لنهج حوّل البرلمان إلى مجرّد “مصدّق” على قرارات تُفرَض من الخارج.
أكثر من ذلك، ثمّة بين نواب “التغيير” من يقول إنّ السير بخيار “التسوية” قد يكون “أرحم” بالنسبة إليهم من تبنّي خيار فريق محدّد، ما سيكرّسهم أساسًا ضمن محور معيّن، وهو ما يرفضونه، ولو أنّ هناك من وضعهم “ذهنيًا” في هذا الجو منذ اليوم الأول، علمًا أنّ هناك من يفضّل في هذه الحالة، أن يكونوا هم المبادرين لطرح اسم مرشح محدّد، ليتبنّاه الآخرون، في مقابل فريق آخر يتمسّك بضرورة بقائهم في صفوف المعارضة في المرحلة المقبلة.
لكنّ الثابت، وفق ما يقولون بعض المقرّبين من نواب “التغيير”، أنّ السير بـ”تسوية” تفضي إلى انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون قد يكون بمثابة “خط أحمر” بالنسبة إلى عدد منهم على الأقلّ، ليس لأنّ الأخير قد لا يكون “مطابقًا للمواصفات” التي يضعونها، ولكن لأنّهم يأتون من رحم المجتمع المدني، الذي يرفض في المبدأ فكرة “عسكرة السلطة”، ولا يمكن أن يرسّخ مبدأ تعديل الدستور من أجل انتخاب قائد الجيش رئيسًا، وكأنّ لا “بديل” عنه بين الموارنة.
يقول رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إنّ اتصالات جارية مع مختلف قوى المعارضة من أجل “تنسيق المواقف”، لكنه يتحدّث عن “إشكالية” تتمثّل بوجود “35 فريقًا” في المعارضة. لعلّه قصد نواب “التغيير”، الذين لم يعد بالإمكان النظر إليهم كفريق واحد، والذين يحمّلهم “القواتيون” أساسًا مسؤولية “الخيبات” المتلاحقة، في “سيناريو” لا شيء يدعو إلى الاعتقاد بأنّ انتخابات الرئاسة ستغيّر أيّ “حرف” على خطّه!