فرض الاستحقاق الرئاسي نفسه على الساحة السياسية على الرغم من ان ملفات كثيرة عالقة بحاجة لحلول واجابات قبل أيلول المقبل اي قبل بداية موعد انطلاق المهل الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية المأزومة اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا وسياسيا وفي مختلف الاتجهات والصعد.
وقبيل بداية الجد والكلام الدقيق في ما خص هذا الاستحقاق الذي تأمل، وفقا لما تعلنه، مختلف القوى السياسية ان يتم في موعده المحدد، يبدو ان لعبة طرح المواصفات والسمات دخلت في صراع شديد مع لعبة طرح الأسماء التقليدية والجديدة والمعدة سلفا للحرق او الهوبرة.
ولكن وفي الحالتين، لا بد من التذكير ان الموقع المطروح حاليا للبازار السياسي، لا يمكن له ان يفقد المزيد من هيبته بعدما فقد الكثير من صلاحياته، لذلك من يريد الحفاظ فعلا على وجه لبنان عليه ان يسعى جاهدا للحفاظ على كرسي بعبدا كما هو لا بل على تعزيزه وتقويته، بالتوازي مع عمله على صون رئاستي مجلس النواب والحكومة بغض النظر عن الأوجه والأسماء والدفع بجدية مطلقة نحو ولادة مجلس الشيوخ ورئاسته، وهذا الكلام هو جوهر “الطائف” الذي يسعى البعض لاظهار الحياة في كنفه شاقة وغير ممكنة وهذا بحث آخر.
وبالحديث عن “الطائف”، لا بد من الاشارة الى ان الممارسة التي سادت من بعده وضعت مسيحيي الأطراف بشكل عام والموارنة منهم بشكل خاص في حالة من المظلومية والدونية في التعاطي ظهرت نتائجها على أكثر من صعيد وفي غير اتجاه، وفي هذا السياق لا يمكن غض النظر عن الدور غير الايجابي الذي أدته الكنيسة عن قصد او غير قصد في هذا المجال، وقد يكون الكلام السيء الذكر الصادر عن الرئيس السابق للرابطة المارونية النائب نعمة الله ابي نصر في هذا الخصوص خير معبر عن الوضعية المشار اليها.
وللأمانة، لم يكن الهدف من الطائف تعرية موارنة الأطراف والدليل على ذلك هو ان أول الرؤساء الذين انتجهم الطائف هو الرئيس الشهيد رينيه معوض الذي تجمع الاطراف كلها انه لو تمكن من الحكم فعلا لما آلت الأمور الى ما هي عليه اليوم.
والكلام هذا لا يأتي في اطار التقليل من قيمة موارنة الوسط والعاصمة على تنوعهم وتعددهم، ولا من قيمة الرؤساء الذين تعاقبوا وجلسوا على كرسي رئاسة الجمهورية والذين لهم في دفاترهم عددا من الانجازات كما الاخفاقات.
لكن الكلام هذا، يأتي ليشدد على ضرورة منح موارنة الأطراف حقهم الطبيعي في الوصول الى سدة الرئاسة الأولى بغض النظر عن التوجهات السياسية والاقليمية، وغض النظر عن هذه التوجهات يأتي من باب اليقين ان روح المواطنة مزروعة ومروية ومثمرة بشكل لا مثيل له عند كل ماروني تسري في دماه جينات الاجداد المرتبطة بالأرض والآخر والكلمة والفكر والثقافة والمعرفة.
وبالعودة الى الصفات المطروحة والمشدد عليها، لا بد من التأكيد ان اولى السمات المطلوبة في شخص الرئيس المقبل هي ان يكون مؤمنا بالعيش المشترك وضرورة الانفتاح على الآخر والحوار معه لا ممارسا لهذه المبادئ فقط، وفي هذا الاطار، يظهر الموارنة في الاطراف كمختبر طبيعي بحكم الجغرافيا والتاريخ، فالجغرافيا جعلتهم يعيشون في هلال متلاصق مع السنّة والدروز أحيانا والشيعة أحيانا أخرى، اما التاريخ فجعلهم يتعلمون ان قمة التعصب والتمسك بدينهم وعقيدتهم تكون في الانفتاح على الآخر المختلف، فهم بعد أكثر من 500 سنة عاشوها في قعر الوادي المقدس أيقنوا ان لا خلاص الا بانفتاح واديهم على الجبال والسواحل ومختلف الهضاب.
اما باقي الصفات المطلوبة تبقى ثانوية امام القدرة على الجمع والتلاقي وفرض وحدة حال انطلاقا بالايمان في لبنان المتنوع والمتعدد، لذلك ولأسباب كثيرة أخرى قد يكون الوقت حان لاختيار رئيس قادم من مسافة تبعد جغرافيا أكثر من ساعة عن المقر البطريركي في بكركي.